قوله :﴿ إلى كَلَمَةٍ ﴾ مُتَعَلِّق ب « تَعَالَوْا » فذكر مفعول « تَعَالَوْا » قبلها، فإنه لم يذكر مفعوله؛ فإن المقصودَ مُجَرَّدُ الإقبال، ويجوز أن يكون حذفه للدلالة عليه، تقديره : تعالوا إلى المباهلة.
وقرأ العامة « كَلِمَةٍ » - بفتح الكاف وكسر اللام - وهو الأصل، وقرأ أبو السَّمَّال « كِلْمَةٍ » بوزن سدرة و « كَلْمَةٍ » كَضَرْبَة وتقدم هذا قريباً.
وكلمة مفسَّرة بما بعدها - من قوله :« ألاّ نَعْبُدَ إلاَّ الله » - فالمرادُ بها كَلاَمٌ كَثِيرٌ، وهَذا مِنْ بَابَ إطلاق الجزء والمراد به الكل، ومنه تسميتهم القصيدة جميعاً قافيةً - والقافية جزء منها قال :[ الوافر ]

١٤٩٦- أعَلِّمُهُ الرِّمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ فَلَمَّا اشتدَّ سَاعِدُهُ رَمَانِي
وَكَمْ عَلَّمُْهُ نَظْمَ الْقَوَافِي فَلَمَّا قَالَ قَافِيَةً هَجَانِي
ويقولون كلمة الشهادة - يعنون : لا إله إلا الله، مُحَمدٌ رَسُولُ اللهِ - وقال ﷺ :« أصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالهَا شاعرٌ كلمة لبِيدٍ ».
يريد :[ الطويل ]
١٤٩٧- ألا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ وَكُلُّ نَعِيمٍ - لا مَحَالَةَ - زَائِلُ
وهذا كما يسمون الشيء بجزئه في الأعيان، لأنه المقصود منه، قالوا لرئيس القوم - وهو الذي ينظر لهم ما يحتاجون إليه- : عَيْن، فأطلقوا عليه « عيناً ».
وقال بعضهم : وُضِعَ المفردُ موضعَ الجمع، كما قال :[ الطويل ]
١٤٩٨- بِهَا جِيَفُ الْحَسْرَى، فَأمَّا عِظَامُهَا فَبِيضٌ، وَأمَّا جِلدُهَا فَصَلِيبُ
وقيل : أطلقت الكلمة على الكلمات؛ لارتباط بعضها ببعضٍ، فصارت في قوة الكلمة الواحدة - إذا اخْتلَّ جُزْءٌ منها اختلت الكلمةُ؛ لأن كلمة التوحيد - لا إله إلا الله - هي كلماتٌ لا تتم النسبة المقصودة فيها من حصر الإلهية في « الله » إلا بمجموعها.
وقرأ العامة « سَوَاءٍ » بالجر؛ نعتاً لِ « كَلِمَةٍ » بمعنى عَدْلٍ، ويدل عليه قراءة عبد الله : إلى كلمة عدل، وهذا تفسير لا قراءة.
وسواء في الأصل - مصدر، ففي الوصف التأويلات الثلاثة المعروفة، ولذلك لم يُؤنث كما لم تؤنث ب « امرأة عدل » ؛ لأن المصادر لا تُثَنَّى، ولا تُجْمَع، ولا تُؤنَّثُ، فإذا فتحت السين مَدَدْتَ، وإذا كسرتَ أو ضممت قصرت، كقوله :﴿ مكَانًا سُوًى ﴾ [ طه : ٥٨ ].
وقرأ الحسن « سَوَاءٌ » بالنصب، وفيها وجهان :
أحدهما : نصبها على المصدر.
قال الزمخشريُّ :« بمعنى : اسْتَوْتِ اسْتِوَاءً »، وكذا الحوفيّ.
والثاني : أنه منصوب على الحال، وجاءت الحالُ من النكرةِ، وقد نصَّ عليه سيبويه.
قال أبو حيّان :« ولكن المشهور غيره، والذي حسَّن مجيئَها من النكرة - هنا - كونُ الوَصْفِ بالمصدر على خلاف الأصل، و الصفة والحال متلاقيان من حيث المعنى ».


الصفحة التالية
Icon