الثالث : النصب على المفعول من أجله، تقديره : مخافةَ أن يُؤتَى.
وهذا الوجه الثالث - لا يصح من جهة المعنى، ولا من جهة الصناعة، أمّا المعنى فواضحٌ وأما الصناعة فإن فيه تقديم المستثنى على المستثنى منه، وعلى عامله، وفيه - أيضاً - تقديم ما في صلة أن عليها، وهو غير جائزٍ.
الوجه الثالث : أن يكون ﴿ أَن يؤتى ﴾ مجروراً بحرف العلة - وهو اللام - والمُعَلَّل محذوف، تقديره لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك، ودبَّرتموه، لا لشيء آخرَ، وقوله :﴿ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾ معناه : ولا تؤمنوا هذا الإيمانَ الظاهرَ - وهو إيمانكم وَجْهَ النَّهَارِ - ﴿ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾، إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم؛ لأن رجوعَهم كان أرْجَى عندهم من رجوع من سواهم، ولأن إسلامَهم كان أغبط لهم، وقوله :﴿ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾ معناه : لأن يؤتى مثل ما أوتيتُمْ قلتم ذلك، ودبرتموه، لا لشيء آخرَ، يعني أن ما بكم من الحسد و البغي، أن يؤتى أحَدٌ مثل ما أوتيتم من فَضْل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قُلْتُم ما قلتم، والدليل عليه قراءة ابن كثير : أأنْ يُؤتَى أحَدٌ؟ - بزيادة همزة الاستفهامِ، والتقرير، والتوبيخ - بمعنى : ألأن يؤتى أحَدٌ؟
فإن قلت : ما معنى قوله :﴿ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ ﴾ على هذا؟
قلت : معناه : دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ولما يتصل به عند كفركم به في محاجتهم [ لكم ] عند ربكم.
الوجه الرابع : أن ينتصب ﴿ أَن يؤتى ﴾ بفعل مقدَّرٍ، يدل عليه :﴿ وَلاَ تؤمنوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾ إنكار لأن يؤتى أحد مثل ما أوتُوا.
قال أبو حيّان : وهذا بعيد؛ لأنه فيه حذفَ حرف النهي وحذفَ معموله، ولم يُحْفظ ذلك من لسانهم.
قال شهاب الدين :« متى دلَّ على العامل دليلٌ جاز حَذْفُه على أي حالةٍ كان ».
الوجه الخامس : أن يكون ﴿ هُدَى الله ﴾ بدلاً من « الْهُدَى » الذي هو اسم « إنَّ » ويكون خبر ﴿ أَن يؤتى أَحَدٌ ﴾، قُلْ إنَّ هدى الله أن يؤتى أحد، أي إن هدى الله آتياً أحداً مثل ما أوتيتم، ويكون « أوْ » بمعنى « حتى »، والمعنى : حتى يحاجوكم عند ربكم، فيغلبوكم ويدحضوا حُجَّتَكم عند الله، ولا يكون ﴿ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ ﴾ معطوفاً على ﴿ أَن يؤتى ﴾ وداخلاً في خبر إن.
الوجه السادس : أن يكون ﴿ أَن يؤتى ﴾ بدلاً من ﴿ هُدَى الله ﴾ ويكون المعنى : قُلْ بأن الهدى هدى الله، وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن، ويكون قوله :﴿ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ ﴾ بمعنى فليحاجوكم، فإنهم يغلبونكم، قال ابنُ عطية : وفيه نظرٌ؛ لأن يؤدي إلى حذف حرف [ النهي ] وإبقاء عمله.