﴿ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾ [ يونس : ٩١ ] تقديره : آلآن آمنتَ، ورجعتَ وثبت، ونحو ذلك.
قال الواحديُّ : فإن قيل : كيف جاز دخول « أحَدٌ » في هذه القراءة، وقد انقطع من النفي، والاستفهام، وإذا انقطع الكلام - إيجاباً وتقريراً - فلا يجوز دخول « أحَدٌ ».
قيل : يجوز أن يكون طأحَدٌ « - في هذا الموضع - أحداً الذي في نحو أحد وعشرين، وهذا يقع في الإيجاب، ألا ترى أنه بمعنى » واحد «.
قال أبو العباسِ : إن »
أحَداً « و » وَحَداً « و » وَاحِداً « بمعنًى.
وقوله :﴿ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ ﴾، أو في هذه القراءة - بمعنى »
حتى «، ومعنى الكلام : أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تذكرونه لغيركم حتى يُحَاجُّوكُمْ عند ربكم.
قال الفراء :»
ومثله في لكلام : تَعَلَّق به أو يُعْطيك حَقَّك.
ومثله قول امرئ القيس :[ الطويل ]
١٥١٤- فَقُلْتُ لَهُ :

لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنَّمَا نُحَاوِلُ مُلْكاً أو نَمُوتَ فنُعْذَرَا
أي حتى، ومن هذا قوله تعالى :﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ [ آل عمران : ١٢٨ ]، ومعنى الآية : ما أعطي أحد مثل ما أوتيتم - يا أمة محمدٍ - من الدين والحُجَّة حتى يحاجوكم عند ربكم «، قال :» فهذا وَجْهٌ، وأجود منه أن تجعله عَطْفاً على الاستفهام، والمعنى : أأن يُؤتَى أحَد مثل ما أوتيتم أو يحاجَّكم أحد عند الله تصدقونه؟ «. وهذا كله معنى قول أبي علي الفارسي.
ويجوز أن يكون ﴿ أَن يؤتى أَحَدٌ ﴾ منصوباً بفعل مُقَدَّرٍ لا على سبيل التفسير، بل لمجرد الدلالة المعنوية، تقديره : أتذكرون، أو أتشيعونه. ذكره الفارسي أيضاً، وهذا هو الوجه الرابع.
الخامس : أن يكون ﴿ أَن يؤتى ﴾ - قراءته - مفعولاً من أجله على أن يكون داخلاً تحت القول لا من قول الطائفة، وهو أظهر مِنْ جَعْلِه من قَوْل الطَّائِفَةِ.
قال ابن الخطيبِ :»
أما قراءة من يقصر الألف من « أنْ » فقد يُمْكن إيضاحها على معنى الاستفهام، كما قرئ :﴿ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُم ﴾ [ البقرة : ٦ ] - بالمد والقصر - وكذا قوله تعالى :﴿ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ﴾ [ القلم : ١٤ ] قرئ بالمد والقصر.
وقال امرؤ القيس :[ المتقارب ]
١٥١٥- تَرُوحُ مِنَ الْحَيِّ أمْ تَبْتَكِرْ وَمَاذَا عَلَيْكَ بِأنْ تَنْتَظِر؟
أراد : أتروح؟ فحذف ألف الاستفهام؛ لدلالة « أم » عليه، وإذا ثبت أن هذه القراءةَ مُحْتَمِلَةٌ لمعنى الاستفهام كان التقدير ما شرحناه في القراءة الأولى.
وقد ضعف الفارسيُّ قراءةَ ابن كثيرٍ، فقال :[ « وهذا موضع ينبغي أن تُرَجَّحَ فيه قراءةُ غيرِ ابنِ كثير على قراءة ابن كثير ] ؛ لأن الأسماء المُفْرَدةَ ليس بالمستمر فيها أن تدلَّ على الكثرة ».
وقرأ الأعمش وشعيب بن أبي حمزة : إن يُؤتَى - بكسْر الهمزة - وخرَّجها الزمخشريُّ على أنها « إنْ » النافية، فقال : وقُرِئَ :« إن يؤتى أحد » على « إن » النافية، وهو متصل بكلام أهل الكتاب، أي :« ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم » وقولوا لهم : ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم حتى يحاجوكم عند ربكم، يعني ما يُؤتَوْنَ مثلَه فلا يحاجونكم.


الصفحة التالية
Icon