« ألك بيِّنةٌ؟ قال لا، قَالَ : فَلَكَ يمينُهُ قال : يا رسولَ اللهِ، إن الرجل فاجِرٌ لا يبالي على ما حلف عليه، قال ليس لك منه إلا ذلك، فانطلق ليحلف، فقال رسول الله ﷺ لما أدبر » أما لئن حَلَفَ علَى ما لَيْسَ لَهُ لِيَأكُلَهُ ظُلماً لَيَلْقَيَنَّ اللهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ «.
قال علقمة : أما الكنديّ فهو عمرو بن القيس بن عابس الكنديّ، وخصمه ربيعة بن عبدان الحضرميّ، روى أبو أمامة أن رسول الله ﷺ قال :» مَن اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِم - بِيَمِينِهِ - حَرَّم اللهُ عَلَيْه الْجَنَّة وَأوْجَبَ لَهُ النَّارَ، قَالُوا : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسولَ الله؟ قَالَ : وَإنْ كَانَ قَضِيباً مِنْ أرَاكٍ « قالها ثلاث مراتٍ.
قوله :﴿ أولئك لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخرة ﴾ أي : لا نصيبَ لهم في الآخرةِ وتعيمها، وهذا مشروطٌ بالإجماع بعد التوبة، فإذا تاب عنها سقط الوعيدُ - بالإجماع - وشرط بعضهم عدم العفو؛ لقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ النساء : ٤٨ ]، ﴿ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ﴾ أي : كلاماً ينفعهم، ويسرهم.
وقيل : لمعنى الغضب، كما يقول الرجل : إني لا أكلم فلاناً - إذا كان قد غضب عليه - قاله القفالُ.
ثم قال :﴿ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القيامة ﴾ أي : لا يرحمهم، ولا يُحْسِن إليهم، ولا يُنِيلُهم خيراً، وليس المقصود منه النظر بتقليب الحَدَقَةِ إلى المَرْئِيّ - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - ﴿ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ﴾ أي : لا يطهرهم من دنس الذنوب بالمغفرة.
وقيل : لا يُثْنِي عليهم كما يُثْنِي على أوليائه - كثناء المزكِّي للشاهد والتزكية من الله قد تكون على ألسنة الملائكة، كقوله تعالى :﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم ﴾ [ الرعد : ٢٣-٢٤ ] وقد تكون من غير واسطة، أما في الدنيا فكقوله :﴿ التائبون العابدون ﴾ [ التوبة : ١١٢ ]. وأما في الآخرة فكقوله :﴿ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾ [ يس : ٥٨ ]. ثم قال :﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ في هذه اللام قولان :
أحدهما : أنها بمعنى الاستحقاق، أي : يستحقُّون العذاب الأليم.
الثاني : كما تقول : المال لزيد، فتكون لام التمليك، فذكر ملك العذاب لهم، تهكُّماً بهم.