الثاني : هو ضمير الموصوف المتقدم.
والمعنى : ولا يأمركم الله، وقال ابن جريج وجماعة : ولا يأمركم محمد أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً وقيل : لا يأمركم عيسى.
وقيل : لا يأمركم الأنبياء أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرْباباً، كفعل قريش والصابئين - حيث قالوا في المسيح هو العزير.
والمعنى على عوده على « بَشَر » أنه لا يقع من بشر موصوفٍ بما وُصِفَ به أن يَجْعَل نفسه ربًّا، فيُعْبَدَ، ولا يأمر - أيضاً - أن تُعْبَد الملائكةُ والنبيون من دون الله، فانتفى أن يدعوَ الناسَ إلى عبادة نفسه، وإلى عبادة غيره - والمعنى - على عَوْده على الله - تعالى - أنه تعالى أخْبَر أنه لم يَأمُرْ بذلك، فانتفى أمر الله وأمر أنبيائه بعبادة غيره تعالى.
وأما قراءة النصب ففيها وجوهٌ :
أحدها : قول أبي علي وغيره، وهو أن يكون المعنى : دلالة أن يأمركم، فقدروا « أن » مضمرة بعده وتكون « لا » مؤكِّدة لمعنى النفي السابق، كما تقول : ما كان من زيد إتيان ولا قيام وأنت تريد انتفاء كل واحد منهما عن زيد، ف « لا » للتوكيد لمعنى النفي السابق، وبقي معنى الكلام : ما كان من زيد إتيان، ولا منه قيام.
الثاني : أن يكون نصبه لنَسَقه على ﴿ أَن يُؤْتِيهُ ﴾ قال سيبويه : والمعنى : وما كان لبَشَرٍ أن يأمركم أن تتخِذُوا الملائكة.
قال الواحديُّ : ويُقوي هذا الوجهَ ما ذكرنا من أن اليهود قالوا للنبي ﷺ أتريد يا محمدُ أن نتخذَك رَبًّا؟ فنزلت.
الثالث : أن يكون معطوفاً على « يَقُولُ في قراءة العامة - قاله الطَّبَريُّ.
قال ابن عطيةَ :» وهذا خَطأ لا يلتئم به المعنى «، ولم يبين أبو مُحَمدٍ وَجْهَ الخَطَأ » ولا عدم التآم المعنى.
قال أبو حيّان :« وجه الخطأ أنه إذا كان معطوفاً على » يَقُولَ « وجعل » لا للنفي - على سبيل التأسيس لا على سبيل التأكيد - فلا يمكن أن يُقَدَّر الناصب - وهو « أن » - إلا قبل « لا » النافية، وإذا قدرها قبلها انسبك منها ومن الفعل المنفي ب « لا » مصدر منفي، فيصير المعنى : ما كان لبشر موصوف بما وُصِفَ به انتفاء أمره باتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً - وإذا لم يكن له انتفاء الأمر بذلك كان له ثبوت الأمر بذلك، وهو خَطَأ بيِّن.
أما إذا جعل « لا » لتأكيد النفي لا لتأسيسه فلا يلزم خَطَأ، ولا عدم التئام المعنى؛ وذلك أنه يصير النفي مستحباً على المصدرين المقدَّرِ ثبوتهما، فينتفي قوله :﴿ كُونُواْ عِبَاداً لِّي ﴾ وينتفي أيضاً أمره باتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً. ويوضِّح هذا المعنى وَضْعُ « غير » موضع « لا » فإذا قلتَ : ما لزيد فقهٌ ولا نحوٌ.