العامل في « إذْ » وجوه :
أحدها :« اذكر » إن كان الخطاب للنبي ﷺ.
الثاني :« اذكروا » إن كان الخطاب لأهل الكتابِ.
الثالث : اصطفى، فيكون معطوفاً على « إذْ » المتقدمة قبلها، وفيه بُعْدٌ؛ بل امتناع؛ لبُعْده.
الرابع : أن العامل فيه « قَالَ » في قوله :﴿ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ ﴾ وهو واضح.
وميثاق، يجوز أن يكون مضافاً لفاعله، أو لمفعوله، وفي مصحف أبيّ وعبد الله وقراءتهما :﴿ مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾ [ آل عمران : ١٨٧ ]. وعن مجاهد، وقال : أخطأ الكاتب.
قال شهابُ الدين :« وهذا خطأٌ من قائله - كائناً مَنْ كان - ولا أظنه عن مجاهد؛ فإنه قرأ عليه مثل ابن كثير وأبي عمرو بن العلاء، ولم يَنْقُلْ عنه واحدٌ منهما شيئاً مِنْ ذلك ».
والمعنى على القراءة الشهيرة صحيح، وقد ذكروا فيها أوجهاً :
أحدها : أن الكلام على ظاهرهِ، وأن الله تعالى - أخذ على الأنبياء مواثيق أنهم يُصَدِّقون بعضهم بعضاً وينصر بعضُهم بعضاً، بمعنى : أنه يوصي قومه أن ينصروا ذلك النبي الذي يأتي بعده، ولا يخذلوه وهذا قول سعيد بن جبيرٍ والحسن وطاووس.
وقيل هذا الميثاقُ مختص بمحمد ﷺ وهذا مرويٌّ عن عليٍّ وابن عباس وقتادةَ والسدي، واحتج القائلون بهذا بقوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين ﴾ [ آل عمران : ٨١ ] وهذا يدل على أن الآخذ [ هو الله - تعالى - والمأخوذ منهم هم النبيون، وليس في الآية ذكر الأمة، فلم يحسن صرف الميثاق إلى الأمة ].
وأجيب بأن على الوجه الذي قلتم يكون الميثاقُ مضافاً إلى الموثَقِ عليه. وعلى قولنا إضافته [ إليهم إضافة الفعل إلى الفاعل - وهو الموثق - وإضافة الفعلِ إلى الفاعل أقوى من إضافته ] إلى المفعول؛ فإن لم يكن فلا أقل من المساواة، وهو كما يقال : ميثاقُ اللهِ وعهجه، فيكون التقدير : وإذ أخذ اللهُ الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أمَمِهم.
ويمكن أن يُراد ميثاق أولاد النبيين - وهم بنو إسرائيلَ - على حذف مضافٍ [ وهو كما يقال :« فعل بكر بن وائل كذا »، و « فعل معد بن عدنان كذا »، والمراد أولادهم وقومهم، فكذا ههنا ].
ويحتمل أن يكون المراد من لفظ « النَّبِيِّينَ » أهل الكتاب، فأطلق لفظ « النَّبِيِّينَ » عليهم؛ تهكُّماً بهم على زعمهم؛ لأنهم كانوا يقولون : نحن أولى بالنبوة من محمد ﷺ لأنا أهل الكتاب، ومنا النبيون، قاله الزمخشريُّ.
ويمكن أنه ذكر النبي والمراد أمته كقوله :﴿ ياأيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء فَطَلِّقُوهُنَّ ﴾ [ الطلاق : ١ ].
واحتجوا - أيضاً - بما روي أنه ﷺ قال :« لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةٌ، أمَا وَاللهِ لَوْ كَانَ مُوسَى بْنُ عمْرانَ حَيًّا لَمَا وَسعهُ إلاَّ اتِّبَاعِي ».


الصفحة التالية
Icon