وقال :[ الطويل ]

١٥٢٩- فَيَا رَبَّ لَيْلَى أنْتَ في كُلِّ مَوْطِنٍ وَأنْتَ الَّذِي فِي رَحْمةِ اللهِ أطْمَعُ
يريد رويت عنه، ورأيته، وفي رحمته. فأقام الظاهر مقام المضمر، وقد وقع ذلك في المبتدأ والخبر، نحو قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ [ الكهف : ٣٠ ] ولم يقل : إنا لا نضيع، وقال تعالى :﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين ﴾ [ يوسف : ٩٠ ] ولم يقل : لا يضيع أجره وهذا رأي أبي الحسن والأخفش. وقد تقدم البحث فيه.
ومنهم من قال : إن العائد يكون ضمير الاستقرار العامل في « مَعَ » و « لتؤمنن به » جوابُ قسمٍ مقدرٍ، وهذا القَسَم المقدَّر وجوابه خبر للمبتدأ الذي هو « لما آتيناكم » والهاء - في « بِهِ » - تعود على المبتدأ، ولا تعود على « رَسُولٌ » لئلاَّ يلزم خلُوّ الجملة الواقعة خبراً من رابط يربطها بالمبتدأ.
الوجه الثالث : كما تقدم، إلا أن اللام في « لَمَا » لام التوطئة؛ لأن اخذ الميثاق في معنى الاستخلاف. وفي « لتؤمنن » لام جواب القسم، هذا كلام الزمخشريِّ. ثم قال : و « ما » تحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط، و « لَتُؤمِنُنَّ » سادّ مَسَدّ جواب القَسَم والشرط جميعاً، وأن تكون بمعنى الذي. وهذا الذي قاله فيه نظرٌ؛ من حيثُ إن لام التوطئة تكون مع أدوات الشرط، وتأتي - غالباً - مع « إن » أما مع الموصول فلا يجوزُ في اللام أن تكون موطئةً وأن تكون للابتداء. ثم ذكر في « ما » الوجهين، لحملنا كل واحد على ما يليق به.
الوجه الرابع : أن اللام هي الموطئة، و « ما » بعدها شرطية، ومحلها النصب على المفعول به بالفعل الذي بعدها - وهو « آتيْنَاكُمْ »، وهذا الفعل مستقبل معنًى؛ لكونه في جزاء الشرط، ومحله الجزم، والتقدير : واللهِ لأي شيء آتيتكم من كذا وكذا ليكونن كذا، وقوله :﴿ مِّن كِتَابٍ ﴾، كقوله :﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ﴾ [ البقرة : ١٠٦ ] وقد تقدم تقريره. وقوله :﴿ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ ﴾ عطف على الفعل قبله، فيلزم أن يكون فيه رابط يربطه بما عُطِف عليه، و « لَتُؤمِنُنَّ » جواب لقوله :﴿ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين ﴾ وجواب الشرط محذوف، سَدَّ جوابُ القسم مَسَدَّه، والضمير في « بِهِ » عائد على « رَسُولٌ »، كذا قال أبو حيّان.
قال شهاب الدين :« وفيه نظر؛ لأنه يمكن عودُه على اسم الشرط، ويُستغنَى - حينئذٍ - عن تقديره رابطاً ».
وهذا كما تقدم في الوجه الثاني ونظير هذا من الكلام أن نقول : أحلف بالله لأيهمْ رأيت، ثم ذهب إليه رجل قرشي لأحسنن إليه - تريد إلى الرجل - وهذا الوجه هو مذهب الكسائي.


الصفحة التالية