« مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ »، ولأن الحاجة إلى المال شديدة، والماء إذا بِيعَ بالغبن سقط فرضُ الوضوء، وجاز الاقتصار على التيمم؛ دفعاً لذلك القدر من نقصان المال، فهاهنا أوْلَى.

فصل


قال معاذُ بن جبل ومجاهدٌ : كانت التَّقِيَّةُ في أول الإسلام - قبل استحكام الدين، وقوة المسلمين - أما اليوم فلا؛ لأن الله أعَزَّ الإسلامَ، فلا ينبغي لأهل الإسلام أن يتقوا من عدوهم، وروي عن الحسنِ أنه قال : التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامةِ.
قال ابن الخطيبِ :« وهذا القول أوْلَى؛ لأن دَفْعَ الضررِ عن النفس واجبٌ بقدر الإمكان ».
وقال يحيى البِكَالِيّ : قلت لسعيد بن جُبَيرٍ - في أيام الحجاجِ- : إن الحسنَ كان يقول : لكم التقية باللسان، والقلب مطمئن، فقال سعيد بن جبيرٍ : ليس في الإسلام تَقِيَّة، إنما التَّقِيَّة لأهل الحرب.
قوله :﴿ وَيُحَذِّرْكُمُ الله نَفْسَهُ ﴾، « نَفْسَهُ » مفعول ثان ل « يُحَذِّرُ » ؛ لأنه في الأصل مُتَعَدِّ لواحد، فازداد بالتضعيف آخر، وقدَّر بعضهم حذفَ مضاف - أي : عقاب نفسه - وصرح بعضهم بعدم الاحتياجِ إليه، كذا نقله أبو البقاء عنهم.
قال الزّجّاج :« أي : ويحذركم الله إياه، ثم استغنَوْا عن ذلك بذا، وصار المستعملَ، قال تعالى :﴿ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] فمعناه : تعلم ما عندي، وما في حقيقتي، ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك ».
قال شهابُ الدينِ :« وليس بشيءٍ؛ إذْ لا بد من تقدير هذا المضافِ، ألا ترى إلى غير ما نحن فيه - في نحو قولك : حذرتك نفسَ زيد - أنه لا بد من شيءٍ تحذر منه - كالعقاب والسطوة؛ لأن الذواتِ لا يُتَصَوَّرُ الحذرُ منها نفسها، إنما يتصور من أفعالِها وما يَصْدُرُ عنها ».
قال أبو مسلم :« والمعنى ﴿ وَيُحَذِّرْكُمُ الله نَفْسَهُ ﴾ أن تعصوه، فتستحقوا عقابه ».
وَعَبَّر - هنا - بالنفس عن الذات؛ جَرْياً على عادةِ العرب، كما قال الأعشى :[ الكامل ]
١٣٩٩- يَوْماً بِأجْوَدَ نَائِلاً مِنْهُ إذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَجَهَّمْتَ سُؤَّالَهَا
قال بعضهم :« الهاء في » نَفْسَهُ « تعود على المصدر المفهوم من قوله :» لاَ يَتَّخِذ «، أي : ويحذركم الله نفس الاتخاذ، والنفس : عبارة عن وجود الشيء وذاته ».
قال أبو العباس المُقْرِئُ : ورد لفظ « النفس » في القرآن على أربعة أضربٍ :
الأول : بمعنى العلم بالشيء، والشهادة، كقوله :﴿ وَيُحَذِّرْكُمُ الله نَفْسَهُ ﴾، يعني علمه فيكم، وشهادته عليكم.
الثاني : بمعنى البدن، قال تعالى :﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت ﴾ [ آل عمران : ١٨٥ ].
الثالث : بمعنى الهَوَى، كقوله :﴿ إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء ﴾ [ يوسف : ٥٣ ] يعني الهَوَى.
الرابع : بمعنى الروحِ، قال تعالى :﴿ أخرجوا أَنْفُسَكُمُ ﴾ [ الأنعام : ٩٣ ]، أي : أرواحكم.

فصل


المعنى : يخوفكم الله عقوبته على موالاةِ الكُفَّار، وارتكاب المناهي ومخالفة المأمور.
والفائدة في ذكر النفس : أنه لو قال : ويحذركم الله، فهذا لا يُفِيد أن الذي أرِيدَ التحذيرُ منه هو عقاب يصدر من الله - تعالى - أو من غيره، فلما ذَكَر النفسَ زالت هذه الأشياءُ، ومعلوم أن العقابَ الصادرَ عنه، يكون أعظمَ أنواع العقابِ؛ لكونه قادراً على ما لا نهايةَ له، وأنه لا قُدْرَةَ لأحد على دَفْعِهِ وَمَنْعِه مما أراد، ثم قال :﴿ وإلى الله المصير ﴾، أي : يحذركم اللهُ عقابه عند مصيركم إليه.


الصفحة التالية
Icon