أحدهما : أن الإبدال تثنية المراد وتكرير له.
والثاني : أن التفصيل بعد الإجمال، والإيضاح بعد الإبهام، إيراد له في صورتين مختلفتين، قاله الزمخشري، على عادة فصاحته، وتلخيصه المعنى بأقرب لفظ، والألف واللام في « البَيْتِ » للعهد؛ لتقدم ذكره، وهو أعلم بالغلبة كالثريا والصعيد. فإذا قيل : زار البيتَ، لم يَتَبَادر الذهن إلا إلى الكعبة شرفها الله.
وقال الشاعر :[ الطويل ]

١٥٤٢- لَعَمْرِي لأنْتَ الْبَيْتُ أكْرِمُ أهْلَهُ وَأقْعُدُ فِي أفْيَائِهِ بِالأصَائِلِ
أنشد هذا البيت أبو حيان في هذا المعرض.
قال شهابُ الدين :« وفيه نظر، إذْ ليس في الظاهر الكعبة ».
الضمير في :« إلَيْهِ » الظاهر عوده على الحَجِّ؛ لأنه محدَّث عنه.
قال الفراء : إن نويت الاستئناف ب « مَنْ » كانت شرطاً، وأسقط الْجَزاء لدلالة ما قبله عليه، والتقدير : من استطاع إلى الحج سبيلاً، فللَّه عليه حجُّ البيت.
وقيل : يعود على « الْبَيْتِ »، و « إلَيْهِ » متعلق ب « اسْتَطَاعَ »، و « سَبِيلاً » مفعول به؛ لأن استطاع متعدٍّ، ومنه قوله تعالى :﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ ﴾ [ الأعراف : ١٩٧ ]، إلى غير ذلك من الآيات.

فصل


قال أبو العباس المقرئ : ورد لفظ الاستطاعة بإزاء معنيين في القرآن :
الأول : سَعَةِ المال، قال تعالى :﴿ وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ] أي : سعة في المال ومنه قوله تعالى :﴿ لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ﴾ [ التوبة : ٤٢ ] أي : لو وجدنا سعة في المال.
الثاني : بمعنى الإطاقة، قال تعالى :﴿ وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النسآء ﴾ [ النساء : ١٢٩ ]، وقال :﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾ [ التغابن : ١٦ ].

فصل


استطاعة السبيل إلى الشيء : عبارة عن إمكان الوصول إليه، قال تعالى :﴿ فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ﴾ [ غافر : ١ ]، وقال :﴿ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ ﴾ [ الشورى : ٤٤ ].
قال عبد الله بن عمر : سأل رجلٌ النبيُّ ﷺ فقال : يا رسول الله، ما يُوجب الحَجَّ؟ فقال :« الزاد والراحلة، قال : يا رسول الله، فما الحاجّ؟ قال : الشعث، التَّفِل.
فقام آخر فقال : يا رسول الله، أيُّ الحج أفضل؟ فقال : الحج والثج، فقام آخر فقال : يا رسول ما السبيلُ؟ فقال :»
زادٌ ورَاحِلةٌ «.
ويعتبر في حصول هذا الإمكان صحة البدن، وزوال خَوف التلف من سبع، أو عدو، أو فُقْدان الطعام والشراب، والقدرة على المال الذي يشتري به الزاد، والراحلة، ويقضي جميع الديون التي عليه، ويَرُدّ ما عنده من الودائع، ويضع عند مَنْ تجب عليه نفقته من المال، ما يكفيه لذهابه ومجيئه، هذا قول الأكثرين.
وروى القفال : عن جُوَيْبِر عن الضحاك أنه قال : إذا كان شاباً صحيحاً ليس له مال، فعليه أن يؤاجر نفسه حتى يقضي حجه، فقال له قائل : أكلَّف الله الناس أن يمشوا إلى البيت؟ فقال : لو كان لبعضهم ميراث بمكة أكان يتركه؟ قال : لا، بل ينطلق إليه ولو حبواً، قال : فكذلك يجب عليه حجّ البيت.


الصفحة التالية
Icon