وقرأ الحسن « تُصِدُّونَ » - بضم التاء - من أصَدَّ - مثل أعد - ووجهه أن يكون عدى « صَدَّ » اللازم بالهمزة كقول ذي الرمة :[ الطويل ]
١٥٤٣- أناسٌ أصَدُّوا النَّاسَ بِالسَّيْفِ عَنْهُمْ | ............................ |
وكان صدهم عن سبيل الله بإلقاءِ الشُّبَه في قلوب الضَّعفَة من المسلمين، وكانوا يُنْكِرون كَوْنَ صفته في كتابهم.
قوله :﴿ تَبْغُونَهَا ﴾ يجوز أن تكون جملةً مستأنفةً، أخبر عنهم بذلك - وأن تكون في محل نَصْب على الحال، وهو أظهر من الأول؛ لأن الجملةَ الاستفهاميةَ السابقة جِيء بعدَها بجملة حالية - أيضاً - وهي قوله :﴿ والله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ﴾. ﴿ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾ [ البقرة : ٨٤ ].
فتتفق الجملتان في انتصاب الحال عن كل منهما، ثم إذا قُلْنا بأنها حال، ففي صاحبها احتمالان :
أحدهما : أنه فاعل « تَصُدُّونَ ».
والثاني : أنه ﴿ سَبِيلِ الله ﴾.
وإن جاز الوجهان لأن الجملة - اشتملت على ضمير كل منهما.
والضمير في ﴿ تَبْغُونَهَا ﴾ يعود على ﴿ سَبِيلِ ﴾ فالسبيل يذَكَّر ويؤنث كما تقدم ومن التأنيث هذه الآية، وقوله :﴿ قُلْ هذه سبيلي ﴾ [ يوسف : ١٠٨ ].
وقول الشاعر :[ الوافر ]
١٥٤٤- فَلاَ تَبَْدْ فَكُلُّ فَتَى أنَاسٍ | سَيُصْبحُ سَالِكاً تِلْكَ السَّبِيلا |
أحدهما : أنه مفعول به، وذلك أن يُراد ب « تَبْغُونَ » تطلبون.
قال الزجَّاج والطبريّ : تطلبون لها اعوجاجاً.
تقول العرب : ابْغِني كذا - بوصل الألف - أي : أطْلُبه لي، وأبْغِني كذا - بقطع، الألف - أي : أعِنِّي على طلبه.
قال ابنُ الأنباري : البغي يقتصر له على مفعول واحد إذا لم يكن معه اللام، كقولك : بغيت المال والأجر والثواب.
وههنا أريد يبغون لها عوجاً، فلما سقطت اللام عمل الفعل فيما بعدَها، كما قالوا وهبتك درهماً، يريدون وهبت لك، ومثله : صِدْتُك ظبياً، أي : صدت لك.
قال الشاعر :[ الخفيف ]
١٥٤٥- فَتَوَلَّى غُلاَمُُهُمْ ثُمَّ نَادَى | أظِليماً أصِيدُكُمْ أمْ حِمَارا |
ومثله :« جنيتك كمأة وجنيتك طِبًّا »، والأصل جنيت لك، فحذف ونصب «.
والثاني : أنه حال من فاعل » تَبْغُونََهَا « وذلك أن يُراد ب » تبغون « معنى تتعدّون، والبغي : التَّعَدِّي.
والمعنى : تبغون عليها، أو فيها.
قال الزجاج : كأنه قال تبغونها ضالين، والعوج بالكسر، والعوج بالفتح - المَيْل، ولكن العرب فرَّقوا بينهما، فخَصُّوا المكسور بالمعاني، والمفتوح بالأعيان تقول : في دينه وفي كلامه عِوَج - بالكسر، وفي الجدار والقناة والشجر عَوَجٌ - بالفتح.
قال أبو عبيدة : العِوَج - بالكسر. المَيْل في الدِّين والكلامِ والعملِ، وبالفتح في الحائط والجِذْع.
وقال أبو إسحاق : الكسر فيما لا تَرَى له شَخْصاً، وبالفتح فيما له شَخْصٌ.
وقال صاحب المُجْمَل : بالفتح في كل منتصب كالحائط، والعوَج - يعني : بالكسر - ما كان في بساط، أو دين، أو أرض، أو معاش، فجعل الفرق بينهما بغير ما تقدم.