﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ ﴾ [ هود : ١٥ ]، لأنها أصل الأفعال، ولا يجوز ذلك مع غيرها، وظاهر كلام سيبويه، وكلام الجماعة، أنه لا يختص ذلك ب « كان » بل سائر الأفعال في ذلك مثل « كان ».
وأنشد سيبويه للفرزدق :[ البسيط ]

١٤٠٢- دَسَّتْ رَسُولاً بِأنَّ الْقَوْمَ إنْ قَدَرُوا عَلَيْكَ يَشْفُوا صُدُوراً ذَاتَ تَوغِيرِ
وقال أيضاً :[ الطويل ]
١٤٠٣- تَعَالَ فَإنْ عَاهَدتنِي لا تَخُونُنِي نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَجِبَانِ
وأما الرفع فإنه مسموع من لسان العرب كثيراً.
قال بعض أصحابنا : هو أحسن من الجزم، ومنه بيت زهير السابق. ومثله - أيضاً - قوله :[ الطويل ]
١٤٠٤- وَإنْ شُلَّ رَيْعَانُ الْجَمِيع مَخَافَةً نَقُولُ - جِهَاراً - وَيْلَكُمْ لا تُنَفِّرُوا
وقال أبو صخر :[ الطويل ]
١٤٠٥- وَلاَ بِالَّذِي إنْ بَانَ عَنْهُ حَبِيبُهُ يَقُول - وَيُخْفِي - الصَّبْرَ - إنِّي لَجَازعُ
وقال الآخر :[ الطويل ]
١٤٠٦- وَإنْ بَعُدُوا لا يَأمَنُونَ اقْتِرَابَهُ تَشَوُّفَ أهْلِ الْغَائِبِ الْمُتَنَظَّرِ
وقال الآخر :[ الطويل ]
١٤٠٧- فَإنْ كَانَ لا يُرْضِيكَ حَتَّى تَرُدَّنِي إلَى قَطَرِيٍّ لا إخَالُكَ رَاضِيا
وقال الآخر :[ البسيط ]
١٤٠٨- إنْ يُسْألُوا الْخَيْرَ يُعْطُوهُ وَإنْ خُبِرُوا فِي الجَهْدِ أدْرَكَ مِنْهُمْ طيبُ أخْبَارِ
قال شهاب الدين :« هكذا ساق هذا البيتَ في جملة الأبيات الدالة على رفع المضارع، ويدل على ذلك أنه قال - بعد إنشاده هذه الأبيات كلَّها- : فهذا الرفع - كما رأيت - كثير ».
وهذا البيتُ ليس من ذلك؛ لأن المضارع فيه مجزوم - وهو يُعْطُوه - وعلامة جزمهِ سقوط النون فكان ينبغي أن ينشده حين أنشد : دَسَّتْ رَسُولاً، وقوله :« تعال فإن عاهدتني ».
وقال : فهذا الرفع كثير - كما رأيت - ونصوص الأئمة على جوازه في الكلام - وإن اختلفت تأويلاتُهم كما سنذكره - وقال صاحبنا أبو جعفر أحمد بن عبد النور بن رشيد المالقي - وهو مصنف كتاب رصف المباني - C- : لا أعلم منه شيئاً جاء في الكلام، وإذا جاء فقياسه الجزم؛ لأنه أصل العمل في المضارع - تقدم الماضي أو تأخَّر - وتأوَّل هذا المسموعَ على إضْمَار الفاء، وجملة مثل قول الشاعر :[ الرجز ]
١٤٠٩-........................... إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أخُوكَ تُصْرَعُ
على مذهب من جعل الفاءَ منه محذوفة.
وأما المتقدمون فاختلفوا في تخريج الرَّفعِ.
فذهب سيبويه إلى أن ذلك على سبيل التقديم، وأنَّ جوابَ الشرط ليس مذكوراً عِنْدَه، وذهب المبردُ والكوفيون إلى أنه هو الجواب، وإنما حُذِفَ منه الفاءُ، والفاء يُرْفَع ما بعدها، كقوله تعالى :﴿ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ ﴾ [ المائدة : ٩٥ ] فأعْطِيَتْ - في الإضمار - حكمَها في الإظهار.


الصفحة التالية
Icon