وإنما منع الله الاختلاف الذي هو سبب الفساد، قال ﷺ :« تَفَرَّقَت اليَهُودُ عَلَى إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً - أوْ اثنتين وَسَبْعِينَ فِرْقَةً - وَالنَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَتَفْتَرِقُ أمَّتِي ثلاثاً وسبعين فرْقَةً ».
قوله :﴿ واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ﴾.
﴿ نِعْمَةَ الله ﴾ مصدر مضاف لفاعله؛ إذ هو المُنْعِم، ﴿ عَلَيْكُمْ ﴾، ويجوز أن يكون متعلقاً بنفس ﴿ نِعْمَتَ ﴾ ؛ لأن هذه المادةَ تتعدى ب « على » قال تعالى :﴿ وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ].
ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال من « نِعْمَةَ »، فيتعلق بمحذوف، أي : مستقرة، وكائنة عليكم.
قوله :﴿ إِذْ كُنْتُمْ ﴾ « إذْ » منصوبة - ب « نِعْمَةَ » ظرفاً لها ويجوز أن يكون متعلِّقاً بالاستقرار الذي تضمنه ﴿ عَلَيْكُمْ ﴾ إذا قلنا : إن « عَلَيْكُمْ » حال من النعمة، وأما إذا علقنا « عَلَيْكُمْ » ب « نِعْمَةَ » تعيَّن الوجه الأول.
وجوز الحوفي أن يكون منصوباً ب « اذْكُروا » يعني : مفعولاً به، لا أنه ظرف له؛ لفساد المعنى؛ إذْ « اذْكُرُوا » مستقبل، و « إذْ » ماضٍ.

فصل


﴿ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ﴾.
قال محمد بن إسحاق وغيره من أهل الأخبار : كان الوس والخزرج أخوين لأب وأمٍّ، فوقعت بينهما عداوةٌ - بسبب قتيل - فتطاولت تلك العداوة والحرب بينهم مائة وعشرين سنة، إلى أن أطفأ الله تعالى، ذلك بالإسلام، وألَّف بينهم برسوله - عليه السلام - وكان سبب ألفتهِمْ أن سويدَ بن الصامت - أخا بني عمرو بن عوف - كان شريفاً، تُسمِّيه قومه : الكامل، لجلده ونسبه، قدم « مكة » حاجًّا أو معتمراً، وكان رسول الله ﷺ قد بُعِثَ وأمِرَ بالدعوة، فتصدَّى له حين سمع به، فدعاه إلى الله وإلى الإسلام، فقال له سُوَيْدٌ : فلعلَّ الذي معك مثل الذي معي. فقال رسول الله ﷺ :« وَمَا الَّذِي مَعَكَ؟ قال : حِكْمَةُ لقمان فقال له رسول الله ﷺ :» أعْرِضْهَا عَلِيَّ « فعرضها عليه، فقال : إنَّ هذا الكلام حَسَنٌ معي أفْضَلُ مِنْ هَذَا - قُرْآنٌ أنْزَلَهُ اللهُ عَلَيَّ نُوراً وهُدًى، فَتَلاَ عليهِ القرآنَ، وَدَعَاهُ إلَى الإسْلام، فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ، وقال : إنَّ هَذَا القولَ أحْسَنُ، ثُمَّ انْصرَفَ إلى المدينةِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أنْ قَتَلَهُ الخَزْرَجُ يَوْمَ بُعَاث » فإن قومه يقولون : قد قتل وهو مسلم، ثم قدم أبو الجيسر أنس بن رافع معه فتية من بني الأشهل - فيهم إياس بن معاذ - يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزر، فلما سمع بهم رسولُ الله ﷺ أاهم، فجلس إليهم، فقال :« هَلْ لَكُمْ إلَى خير مما جِئْتُمْ لَهُ؟ قالوا : ومَا ذَاكَ؟ قال : أنَا رَسُولُ اللهِ بَعَثَنِيَ اللهُ إلى العِبَادِ، أدْعُوهُمْ إلى ألاَّ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وأنْزَلَ عَليَّ الكِتَابَ، ثُمَّ ذكر لهم الإسلام »


الصفحة التالية
Icon