فما يشك عاقل في أن عثمان لا يعتد هذه الزيادة من القرآن؛ إذْ لم يكتبها في مصحفه الذي هو إمام المسلمين «.

فصل


قال المفسرون : الدعوة إلى الخير - أي : إلا الإسلام - والأمر بالمعروف، وهو الترغيب في فعل ما ينبغي، والنهي عن المنكر هو الترغيب في تَرْك ما لا ينبغي، ﴿ وأولئك هُمُ المفلحون ﴾ أي : العاملون بهذه الأعمال هم المفلحون الفائزون، وقد تقدم تفسيره.
قال - عليه السلام- :»
مَنْ أمَرَ بالْمَعْرُوفِ، وَنَهَى عَنِ المُنْكَرِ، كَانَ خَلِيفَةَ اللهِ، وَخلِيفَةَ رَسُولِهِ، وَخَلِيْفَةَ كِتَابِهِ « وقال - أيضاً - :» وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأمُرنَّ بِالْمَعْرُوفِ، ولتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتدْعُنَّهُ فَلاَ يُسْتَجَابَ لَكُمْ «.
قوله :﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كالذين تَفَرَّقُواْ واختلفوا مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ البينات ﴾.
قال أكثر المفسرين : هم اليهود والنصارى، وقال بعضهم : هم المُبْتَدِعَةُ من هذه الأمة.
وقال أبو أمامةُ : هم الحرورية بالشام.
وقال عبد الله بن شداد : وقف أبو أمامة - وأنا معه - على رؤوس الحرورية بالشام فقال : كلاب النار كانوا مؤمنين، فكفروا بعد إيمانهم، ثُمَّ قرأ :﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كالذين تَفَرَّقُواْ واختلفوا ﴾ الآية.
وروى عمر بن الخطاب أن رسول الله ﷺ قال :»
مَنْ سرَّه بَحْبُوحَةُ الجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ؛ فإنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الواحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاثْنينِ أبْعَدُ «.
وذكر الفعلَ في قوله :﴿ وجَآءَهُمُ البينات ﴾ للفصل ولكونه غيرَ حقيقيِّ؛ لأنه بمعنى الدلائل.
وقيل : لجواز حذف علامة التأنيث من الفعل - إذا كان فعل المؤنث متقدِّماً.
والتفرق والافتراق واحد، ملا رَوَى أبو برزة - في حديث بيع الفرس-، قال : قال رسول الله ﷺ »
البَيْعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَإنِّي لأرَاكُما قَدِ افْتَرَقْتُمَا « فجعل التفرُّقَ والافتراقَ بمعنًى واحدٍ، وهو أعلم بلغة الصحابة، وبكلام النبيّ ﷺ.
قال القرطبي : وأهل اللغة فرَّقوا بين فَرَقْت - مخففاً - وفرَّقت مشدداً، فجعلوه - بالتخفيف - في الكلام، وبالتثقيل في الأبدان »
.
قال ثعلب :« أخبَرَني ابن الأعرابيّ، قال : يقال : فرَقْتُ بين الكلامين - مخففاً - فافترقا، وفرَّقْت بين الاثنين بالتشديد فتفرقا ». فجعل الافتراق في القول، والتفرق في الأبدان، وكلام أبي برزة يرد هذا.
وقال بعضهم :﴿ تَفَرَّقُواْ واختلفوا ﴾ معناهما مختلف.
فقيل : تفرقوا بالعداوة، واختلفوا في الدين.
وقيل : تفرقوا بسبب استخراج التأويلاتِ الفاسدةِ لتلك النصوصِ، واختلفوا في أن حاول كلُّ واحدٍ منهم نُصْرَةَ مَذْهَبِهِ.
وقيل : تفرقوا بأبدانهم - بأن صار كل واحد من أولئك الأخيار رئيساً في بلدٍ.
قوله :﴿ وأولئك لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ يعني : بسبب تفرُّقهم.


الصفحة التالية