وروي عن عمر بن الخطاب، قال :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ تكون لأولنا، ولا تكون لآخرنا.
وروي عن النبي ﷺ قال :« خَيْرُكم قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ- قال عمران بن حصين : لا أدري، أذَكَر النبيُّ ﷺ بعد قرنه قرنين أم ثلاثة؟ - ثم إن بعدكم قوماً يخونون ولا يُؤتَمَنُون، ويَشهدون ولا يُستشهَدون، ويَنْذِرون ولا يُوفون، ويظهر فيهم السمن ».
فصل
قال القفال : أصل الأمة : الطائفة المجتمعة على الشيء الواحد، فأمة نبينا ﷺ، هم الجماعة الموصوفون بالإيمان به، والإقرار بنبوته، وقد يُقال - لكل من جمعته الدعوة - إنهم أمته، إلا أن لفظ :« الأمة » إذا أطْلِقَت وَحْدَها، وقع على الأول، إلا أنه إذا قيل : أجمعت الأمة على كذا، فهم منه الأول، قال النبي ﷺ :« أمَّتِي لا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلالَةٍ » وروي أنه ﷺ يقول - يوم القيامة- :« أمتي، أمَّتِي »، فلفظ « الأمة » في هذه المواضع وأشباهها - يُفْهَم منه المُقِرُّون بنبوته، فأما أهل دعوته فإنهم إنما يُقال لهم : أمَّة الدعوة، ولا يطلق عليهم لفظ « الأمة » إلا بهذا الشرط.
فصل
احتج بعض العلماء بهذه الآية على أن إجماعَ الأمة حجة من وجهين :
الأول : أنه - تعالى - قال :﴿ وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٩ ] ثم قال - في هذه الآية :﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾، فوجب أن تكون - بحكم هذه الآية - هذه الأمة أفضل من تلك الأمة، الذين يهدون بالحق من قوم موسى، وإذا كان كذلك وجب أن تكون هذه الأمة لا تحكم إلا بالحق، إذْ لو جاز - في هذه الأمة - أن تحكم بما ليس بحَقٍّ، لامتنع كونهم أفضل من الأمة التي تهدي بالحق؛ لأن المبطل لا يكون خيراً من الحَقِّ، وإذا ثبت أن هذه الأمة لا تحكم إلا بالحق كان إجماعهم حجة.
الثاني : أن الألف واللام في لفظ :« املعروف »، و « المنكر »، يفيدان الاستقرار، وهذا يقتضي كونهم آمرين بكل معروف، وناهين عن كل منكرٍ، ومتى كانوا كذلك كان إجماعهم حقًّا، وصدقاً - لا محالة - فكان حُجَّةً.
فإن قيل : الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، والإيمان بالله، هذه الصفات الثلاث كانت حاصلة في سائر الأمم، فمن أي وَجْهٍ كانت هذه الأمة خير الأمم؟
والجواب : قال القفال : إن تفضيلهم على سائر الأمم الذين كانوا قبلهم إنما حصل لأجل أنهم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر بآكد الوجوه - وهو القتال- : لأن الأمر بالمعروف قد يكون بالقلب وباللسان، واليد، وأقواها القتال؛ لأنه إلقاء للنفس في خطر القتل، وأعرف المعروفات الدين الحق، والإيمان بالتوحيد والنبوة، وأنكر المنكرات الكفر بالله، فلما كان الجهاد في الدين تحملاً لأعظم المضارّ؛ لغرض إيصال الغير إلى أعظم المنافع، وتخليصه من أعظم المضار، وجب أن يكون الجهاد أعظم العبادات، وهو في شرعنا أقوى منه في سائر الشرائع - فلا جرم - صار ذلك موجباً لفَضْل العبادات، وهو في شرعنا أقوى منه في سائر الشرائع - فلا جرم - صار ذلك موجباً لفَضْل هذه الأمة على سائر الأمم.