الثاني : أن أه لالكتاب إنما آثروا دينهم، حُبًّا للرياسة، واستتباع العوام، ولو آمنوا لحصلت لهم الرياسة في الدنيا مع الثواب العظيم في الآخرة، فكان ذلك خيراً مما قَنِعُوا به.
قوله :﴿ لَكَانَ خَيْرًا ﴾ اسم « كان » ضمير يعود على المصدر المدلول عليه بفعله، والتقدير لكان الإيمان خيراً لهم كقولهم :« من كذب كان شراً له » أي : كان الكذب شراً له، كقوله تعالى :﴿ اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى ﴾ [ المائدة : ٨ ].
وقول الشاعر :[ الوافر ]
١٥٧٣- إذَا نُهِيَ السَّفِيةُ جَرَى إلَيْهِ | وَخَالفَ، وَالسَّفِيةُ إلى خِلاَفِ |
والمفضل عليه محذوف، أي : خيراً لهم من كُفْرهم، وبقائهم على جَهْلهم.
وقال ابن عطية : ولفظة « خير » صيغة تفضيل، ولا مشاركة بين كُفْرهم وإيمانهم في الخير، وإنما جاز ذلك لما في لفظه « خير » من الشياع وتشعب الوجوه، وكذلك هي لفظة « أفضل »، و « أحب » وما جرى مجراها.
قال أبو حيان :« وإبقاؤها على موضوعها الأصلي أوْلَى - إذا أمكن ذلك - وقد أمكن ذلك؛ إذ الخيرية مطلقة، فتحصل بأدْنى مشاركة ».
قوله :﴿ مِّنْهُمُ المؤمنون وَأَكْثَرُهُمُ الفاسقون ﴾ جملة مستأنفة، سِيقت للإخبار بذلك.
قال الزمخشريّ :« هما كلامان واردان على طريق الاستطراد، عند إجراء ذِكْر أهل الكتاب، كما يقول القائل - إذا ذكر فلاناً - من شأنه كيت وكيت - ولذلك جاء من غير عاطف ».
الألف واللام في قوله :﴿ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ للعهد، لا للاستغراق، والمراد عبد الله بن سلام ورهطه من « الليهود »، والنجاشي ورَهْطه من « النصارى ».
فإن قيل : الوصْف إنما يُذْكَر للمبالغة، فأي مبالغة تحصل في وصف الكافر بأنه فاسق؟
فالجواب : أن الكافر قد يكون عَدْلاً في دينه، وفاسقاً في دينه، فالفاسق في دينه يكون مردوداً عند جميع الطوائف؛ لأن المسلمين لا يقبلونه لكفْره، والكفّار لا يقبلونه لفِسْقِه عندهم، فكأنه قيل : أهل الكتاب فريقان : منهم مَنْ آمن، والذين لم يؤمنوا فهم فاسقون في أديانهم، فليسوا ممن يُقْتَدَى بهم ألبتة عند أحدٍ من العقلاء.