وزعم بعضهم أن المعطوف على جواب الشرط ب « ثم » لا يجوز جزمه ألبتة، قال : لأن المعطوف على الجواب جواب، وجواب الشرط يقع بعده وعقيبه، و « ثم » يقتضي التراخي، فكيف يتصور وقوعه عقيب الشرط؟ فلذلك لم يُجْزَم مع « ثم ».
وهذا فاسد جدًّا؛ لقوله تعالى :﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم ﴾ [ محمد : ٣٨ ]، ف « لا يكونوا » مجزوم نسقاً على « يستبدل » الواقع جواباً للشرط، والعاطف « ثُمَّ ».
و « الأدبار » مفعول ثان لِ « يُوَلُّوكُمْ » ؛ لأنه تعدَّى بالتضعيف إلى مفعولٍ آخَرَ.
فإن قيل : ما الذي عطف عليه قوله :﴿ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ ؟
فالجواب : هو جملة الشرط والجزاء، كأنه قيل : أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا، ثم أخبركم أنهم لا يُنصرون. وإنما ذكر لفظ « ثُمَّ »، لإفادة معنى التراخي في المرتبة، لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليتهم الأدبار.
قوله :﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ﴾ يعني : أن الذلة جُعِلَتْ ملصَقَة، بهم، كالشيء الذي يُضرب على الشيء فيلصق به، ومنه قولهم : ما هذا عليَّ بضربة لازب ومنه تسمية الخراج ضريبة. والذلة : هي الذل، وفي المراد بها أقوال.
فقيل : إنها الجزية؛ وذلك؛ لأن ضَرْب الجزية عليهم يوجب الذلة والصَّغَار.
وقيل : أن يُحارَبُوا، ويقْتَلوا، وتقسَّم أموالُهم، وتُسْبَى ذَراريهم، وتُملك أراضيهم - كقوله :﴿ واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم ﴾ [ البقرة : ١٩١ ]، ثم قال تعالى :﴿ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ الله ﴾ والمراد : إلاَّ بعهد من الله، وعِصْمة، وذمام من الله ومن المؤمنين؛ لأن عند ذلك تزول هذه الأحكام.
وقيل : إن المراد بها أنك لا ترى فيهم ملكاً قاهراً ولا رئيساً معتبراً، بل هم مُسْتَخْفُون في جميع البلاد، ذليلون، مهينون.
قوله :﴿ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا ﴾، « أيْنَمَا » اسم شرط، وهي ظرف مكان، و « ما » مزيدة فيها، ف « ثُقِفُوا » في محل جزم بها، وجواب الشرط إما محذوف - أي : أينما ثُقِفُوا غلبوا وذُلّوا، دلَّ عليه قوله :﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ﴾، وإما نفس « ضُرِبَتْ »، عند مَنْ يُجيز تقديم جواب الشرط عليه، ف ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ﴾ لا محل له - على الأول، ومحله جزم على الثاني.
قوله :﴿ إلاَّ بِحَبْلٍ ﴾ هذا الجار في محل نَصْب على الحال، وهو استثناء مفرَّغ من الأحوال العامة.
قال الزمخشري :« وهو استثناء من أعَمِّ عامّة الأحوال، والمعنى : ضُرِبَتْ عليهم الذلة في عامة الأحوال، إلا في حال اعتصامهم بحبل الله، وحبل الناس، فهو استثناء متصل ».
قال الزجّاج والفرَّاء : هو استثناء منقطع، فقدره الفراء : إلا أن يعتصموا بحبل من الله، فحذف ما يتعلق به الجار.
كقول حميد بن ثور الهلالي :[ الطويل ]



الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
١٥٧٤- رَأتْنِي بِحَبْلَيْهَا، فَصَدَّتْ مَخَافَةً وَفِي الْحَبْلِ رَوْعَاءُ الْفُؤَادِ، فَرُوقُ