الخامس : أنه مصدر في موضع الحال، أي : متخبلين.
السادس : قال ابْنُ عَطِيَّةَ : معناه : لا يقصرون لكم فيما فيه الفساد عليكم.
فعلى هذا - الذي قدره - يكون المضمر، و « خَبَالاً » منصوبين على إسقاط الخافض، وهو اللام، وهذه الجملة فيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها جُمْلة استئنافية، لا محل لها من الإعراب، وإنما جِيءَ بها، وبالجُمَل التي بعدها، لبيان حال الطائفة الكافرة، حتى ينفروا منها، فلا يتخذوها بطانة، وهو وجه حسن.
الثاني : أنها جملة في موضع نصب؛ حال من الضمير المستكن في « دُونِكُمْ » على أن الجار صفة لبطانة.
الثالث : أنها في محل نصب؛ نعتاً ل « بِطَانةً » - أيضاً-.
والألْو - بزنة الغزو - التقصير - كما تقدم-.
قال زهير :[ الطويل ]
١٥٨٣- سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْمِي لِكَيْ يُدْرِكُوهُمُ | فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَلَم يُليمُوا، وَلَمْ يَأْلُوا |
١٥٨٤- وَمَا المَرْءُ مَا دَامَتْ حُشَاشَةُ نَفْسِهِ | بِمُذْرِكِ أطْرَافِ الخُطُوبِ وَلاَ آلِي |
وأنشدوا :[ الوافر ]
١٥٨٥-................... | فَمَا آلَى بَنِيَّ وَلاَ أسَاءُوا |
قال امرؤ القيس :[ الطويل ]
١٥٨٦- ألاَ رُبَّ خَصْمٍ فِيَكِ ألْوَى رَدَدْتُهُ | نَصِيحٍ عَلَى تَعْذَالِهِ غَيْرِ مُؤْتَلِي |
قال الراغب : وألَوْتُ فلاناً، أي : أوْليته تقصيراً - نحو كسبته، أي : أوْليته كَسْباً - وما ألوته جهداً، أي : ما أوليته تقصيراً بحسب الجهد، فقولك : جهداً، تمييز.
وقوله :﴿ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ﴾ [ آل عمران : ١١٨ ] أي : لا يُقَصِّرون في طلب الخبال، ولا يدعون جهدهم في مضرتكم، قال تعالى :﴿ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ ﴾ [ النور : ٢٢ ].
قيل : هو « يفتعل » من ألوت.
وقيل : هو من آليت، أي : حلفت.
والخبال : الفساد، وأصله ما يلحق الحيوان من مَرَض، وفتور، فيورثه فساداً واضطراباً، يقال منه : خبله وخَبَّله - بالتخفيف والتشديد، فهو خابل، ومُخَبَّل، ومخبول، والمخبل : الناقص العقل، قال تعالى :﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ﴾ [ التوبة : ٤٧ ]، ويقال : خَبْل، وخَبَل، وخَبَال وفي الحديث :« مَنْ شَرِبَ الَْمْرَ ثَلاَثاً كَانَ حَقًّا على اللهِ أن يَسقيه مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ ».
وقال زهير بن أبي سُلْمى :[ الطويل ]
١٥٨٧- هُنَالِكَ إنْ يُسْتَخْبَلُوا الْمَالَ يُخْبِلُوا | وَإنْ يُسْألُوا يُعْطُوا، وَإن يُيْسِرُوا يُغْلُوا |
فصل
قال ابنُ عبَّاسٍ : كان رِجَالٌ من المُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ اليَهُودَ؛ لما بينهم من القَرَابةِ، والصداقة، والحِلْف، والجوار، والرضاع، فأنزل الله تعالى هذه الآية ينهاهم فيها عن مباطنتهم.