قال الشاعر :[ المتقارب ]

١٥٩٨- وَلَسْتُ بِذِي نَيْرَبٍ فِيهِمُ وَلاَ مُنْمِشٍ فيهِمُ مُنْمِلِ
وفي ميمها الضم والفتح.
والغيظ : مصدر غاظه، يغيظه- أي : أغضبه -. وفسره الراغب بأنه أشد الغضب، قال : وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من ثوران دَمِ قلبه. وإذا وصف به الله تعالى، فإنما يراد به الانتقام. والتغيظ : إظهار الغيظ، وقد يكون مع ذلك صوت، قال تعالى :﴿ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾ [ الفرقان : ١٢ ]، والجملة من قوله :﴿ وَتُؤْمِنُونَ بالكتاب كُلِّهِ ﴾ معطوفة على ﴿ تُحِبُّونَهُمْ ﴾، ففيها ما فيها من الأوجه المعروفة.
قال الزمخشري : والواو في ﴿ وَتُؤْمِنُونَ ﴾ للحال، وانتصابها من ﴿ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ ﴾ أي : لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابكم كله، وهم - مع ذلك - يبغضونكم، فما بالكم تحبونهم، وهم لا يؤمنون بشيء من كتابكم.
قال أبو حيان :« وهو حسن، إلا أن فيه من الصناعة النحوية ما يخدشه، وهو أنه جعل الواو في ﴿ وَتُؤْمِنُونَ ﴾ للحال، وانتصابها من ﴿ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ ﴾ والمضارع المثبت - إذا وقع حالاً - لا تدخل عليه واو الحال، تقول : جاء زيد يضحك، ولا يجوز : ويضحك، فأما قولهم : قمت وأصُكُّ عينه، ففي غاية الشذوذ، وقد أوِّل على إضمار مبتدأ، أي : وأنا أصُكّ عينه، فتصير الجملة اسمية، ويحتمل هذا التأويل هنا : ولا يحبونكم وأنتم تؤمنون بالكتاب كله، لكنَّ الأولَى ما ذكرنا من كونها للعطف ».
يعني : فإنه لا يُحْوِج إلى حَذْف، بخلاف تقديره مبتدأ، فإنه على خلاف الأصل.
قوله :﴿ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ﴾ يجوز أن تكون الباء للحال، أي : موتوا ملتبسين بغيظكم لا يزايلكم، وهو كناية عن كثرة افسلام وفُشوِّه؛ لأنه كلما ازداد الإيمان ازداد غيظهم، ويجوز أن تكون للسببية أي : بسبب غَيْظكم، وليس بالقويّ.
وقوله :﴿ مُوتُواْ ﴾ صورته أمر ومعناه الدعاء، فيكون دُعَاءً عليهم بأن يزداد غَيْظُهم، حتى يهلكوا به، والمراد من ازدياد الغيظ : ازدياد ما يوجب لهم ذلك الغيظ من قوة الإسلام، وعِزِّ أهْلِه، وما لهم في ذلك من الذُّلِّ، والخِزْي، والعار.
وقيل : معناه الخبر، أي : أن الأمر كذلك.
وقد قال بعضهم : إنه لا يجوز أن يكون بمعنى : الدعاء؛ لأنه لو كان أمره بأن يدعو عليهم بذلك لماتوا جميعاً على هذه الصفة؛ فإنَّ دعوته لا ترد، وقد آمن منهم كثيرون بعد هذه الآيةِ، [ وليس بخبر ] ؛ لأنه لو كان خبراً لوقع على حكم ما أخبره، ولم يؤمن أحدٌ بعدُ، وإذا انتفى هذان المعنيان فلم يَبْقَ إلا أن يكون معناه التوبيخ، والتهديد، كقوله تعالى :﴿ اعملوا مَا شِئْتُمْ ﴾ [ فصلت : ٤٠ ] و « إذَا لَمْ تَسءتَحْي فاصْنَعْ مَا شِئْتَ ».
وهذا - الذي قاله - ليس بشيء؛ لأن مَنْ آمن منهم لم يدخل تحت الدعاء - إن قُصِد به الدعاء - ولا تحت الخبر، إن قُصِد به الإخبار.


الصفحة التالية
Icon