فإن قيل : لِمَ قال :« لِيَوْمٍ » ولم يقل : في « يَوْمٍ ».
فالجوابُ : ما ذكرناه من أنّ المرادَ : لجزاء يوم، أو لحساب يوم، فحذف المضاف، ودلت اللام عليه قال الفرّاءُ : اللام لفعل مضمر، فإذا قلتَ : جُمِعُوا ليوم الخميس، كان المعنى : جمعوا لفعل يوجد في يوم الخميس، وإذا قلت : جُمِعُوا في يوم الخميس لم تُضْمِرْ فِعْلاً.
وأيضاً فمن المعلوم أن ذلك اليوم لا فائدةَ فيه إلا المجازاة.
وقال الكسائيُّ : اللام بمعنى « في ».
« لا ريب فيه » صفة للظرف.
قوله :﴿ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ﴾ إن حَمَلْتَ « مَا كَسَبَتْ » على عمل العبد، جُعِلَ في الكلام حذفٌ، والتقدير : ووفيت كلُّ نفسٍ جزاءَ ما كسبت من ثواب وعقاب، وإن حملت « مَا كَسَبَتْ » على الثواب والعقاب استغنيت عن هذا الإضمار، ثم قال :﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ فلا يُنْقَص من ثواب حسناتهم، ولا يُزاد على عقاب سيئاتهم.
فصل
استدلوا بهذه الآية على أن صاحب الكبيرة - من أصحاب الصلاة - لا يُخَلَّد في النار؛ لأنه مستحق للعقاب - بتلك الكبيرة - ومستحق ثواب الإيمانِ، فلا بُدَّ وأن يُوَفَّى ذلك الثوابَ؛ لقوله تعالى :﴿ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ﴾ فإما أن يُثاب في الجنة ثم يُنقَل إلى النار، وذلك باطل بالإجماع. وإما أن يُعاقَبَ في النار، ثم يُنْقَل إلى دار الثواب أبَداً مُخَلَّداً، وهو المطلوب. وقد تقدم إبطال تمسك المعتزلة بالعمومات.
فإن قيل : لِمَ لا يجوز أن يُقال : إن ثوابَ إيمانهم يُحْبَط بعقاب معصيتهم؟
فالجوابُ : أن هذا باطل لما تقدم في البقرة من أن القول بالمحابطة محال؛ وأيضاً فإنا نعلم - بالضرورة - أن ثوابَ توحيدِ [ سبعين ] سنةً أزيد من عقاب شُرْبِ جَرْعَةٍ من الخمر والمنازع فيه مُكابِر، وبتقدير القول بصحة المحابطة يمتنع سقوط ثوابِ كل الإيمانِ بعقاب شُربِ جَرعَةٍ من الخمر.
وكان يحيى بن معاذ - رحمه الله - يقول : ثواب إيمان لحظة يُسْقِط كُفْرَ ستين سنةً، فثواب إيمان ستين سنةً كيف يُعْقَل أن لا يُحْبِطَ عِقَابَ ذَنْبِ لَحْظَة؟