بضم الضاد، وفتحها، وكسرها - على ما تقرر - وسيأتي أن الآية قُرِئَ فيها بالأوُجه الثلاثةِ.
وإن كانت فاؤه مفتوحةً، نحو عَضَّ، أو مكسورة، نحو فِرَّ، كان في اللام وجهان : الفتح، والكسر؛ إذ لا وَجْهَ للضمِّ، لكن لك في نحو فِرَّ أن تقول : الكسر من وجهين : إما الإتباع، وإما التقاء الساكنين، وكذلك لك في الفتح - نحو عَضَّ - وجهان - أيضاً- : إما الإتباع، وإمَّا التخفيف.
هذا كله إذا لم يتصل بالفعل ضمير غائب، فأما إذا اتصل به ضمير الغائب - نحو رُدَّهُ - ففيه تفصيل ولغات ليس هذا موضعها.
وقرأ عاصم - فيما رواه المفضَّل- : بضم الضاد، وتشديد الراء مفتوحة - على ما تقدم من التخفيف - وهي عندهم أوجه من ضم الراء.
وقرأ الضحاك بن مزاحم :« لا يَضُرِّكُمْ » بضم الضاد، وتشديد الراء المكسورة - على ما تقدم من التقاء الساكنين. وكأن ابْنُ عَطِيَّةَ لم يحفظها قراءةً؛ فإنه قال : فأما الكسر فلا أعرفه قراءةً.
وعبارة الزجَّاج في ذلك متجوَّز فيها؛ إذْ يظهر من روح كلامه أنها قراءة وقد بينا أنها قراءة.
وقرأ أبيّ :« لا يَضْرُرْكُمْ » بالفكّ، وهي لغة الحجاز.
والكيد : المكر والاحتيال.
وقال الراغب : هو نوع من الاحتيال، وقد يكون ممدوحاً، وقد يكون مذموماً، وإن كان استعماله في المذموم أكثر.
قال ابْنُ قُتَيْبَةَ : وأصله من المشقة، من قولهم : فلان يكيد بنفسه، أي : يجود بها في غمرات الموت، ومشقاته.
ويقال : كِدْتُ فلاناً، أكيده - كبعته أبيعُه.
قال الشاعر :[ الخفيف ]

١٦٠٥- مَنْ يَكِدْنِي بسَيِّءٍ كُنْتُ مِنْهُ كَالشَّجَى بَيْنَ حَلْقِهِ وَالْوَرِيدِ
و « شَيْئاً » منصوب نصب المصادر، أي : شيئاً من الضرر، وقد تقدم نظيره.
ومعنى الآية : أن كل من صبر على أداء أوامر الله تعالى، واتقى عما نهى الله عنه، كان في حِفْظ الله، فلا يضره كيد الكائدين، ولا حِيَلُ المحتالين.
قوله :﴿ إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ قراءة العامة ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ - بالغيبة، وهي واضحة.
وقرأ الحسن بالخطاب، إما على الالتفات، والتقدير : إنه عالم، محيط بما تعملونه من الصبر والتقوى، فيفعل بكم ما أنتم أهله، وإما على إضمار : قُل لهم يا محمد.
وإنما قال :﴿ إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ ولم يقل : إنَّ اللهَ محيط بما يعملونَ؛ لأنهم يُقدِّمون الأهم، والذي هُمْ بشأنه أعْنَى، وليس المقصود - هنا - بيان كونه تعالى عالماً، بل بيان أن جميع أعمالهم معلومة لله تعالى، ومجازيهم عليها، فلا جرم قدّم ذكر العمل.


الصفحة التالية
Icon