﴿ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً ﴾ [ الإسراء : ٢٢ ] بمعنى تصير؛ لأنه لا يَطَّرِد إجراء قَعَدَ مُجْرَى صار.
قال شهابُ الدين :« وهذا - الذي ذكره الزمخشري - صحيح، من كون قَعَد بمعنى : صار في غير ما أشار إليه هذا القائل؛ حكى أبو عمر الزاهد - عن ابن الأعرابي - أن العرب تقول : قعد فلان أميراً بعد أن كان مأموراً، أي : صار ».
ثم قال أبو حيان : وأما إجراء قام مُجْرَى صار، فلا أعلم أحداً عدَّها في أخَوَاتِ « كان »، ولا جعلها بمعنى « صار » إلا ابن هشام الخَضْراوي، فإنه ذكر - في قول الشاعر :[ الوافر ]

١٦٠٨- عَلَى مَا قَامَ يَشْتِمُنِي لَئِيمٌ كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي رَمَادِ
أنها من أفعال المقاربة.
قال شهابُ الدين :« وغيرُه من النحويين من يجعلها زائدةً، وهو شاذٌّ، أيضاً ».
وقرأ العامة :« تبوّئ » بعدَّوْه بالتضعيف، وقرأ عبد الله :« تُبْوِئ »، بسكون الباء فعدَّاه بالهمزة، فهو مضارع أبْوَأ - كأكرم.
وقرأ يحيى بن وثَّاب « تُبْوِي » كقراءة عبد الله، إلا أنه سَهَّل بإبدالها ياءً، فصار لفظه كلفظ : يُحيي.
وقرأ عبد الله : للمؤمنين - بلام الجر - كقوله :« وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت » وقد تقدم أن في هذه اللام قولين، والظاهر أنها معدية؛ لأنه قبل التضعيف، والهمزة غيرُ متعدٍّ بنفسه. ويحتمل أن يكون قد ضمَّنه - هنا - تهيِّئ، وترتِّب.
وقرأ الأشهب « مقاعد القتال » - بإضافتها للقتال - واللام في « لِلْقِتَالِ » - في قراءة الجمهور - فيها وجهان :
أوّلهما :- وهو أظهر - : أنها متعلقة ب « تبوئ » على أنها لام العلة.
والثاني : أنها متعلقة بمحذوف؛ لأنها صفة لِ « مَقَاعِدَ » أي : مقاعد كائنة، ومُهَيَّأة للقتال، ولا يجوز تعلقها ب « مقاعد »، وإن كانت مشتقة؛ لأنها مكان، والأمكنة لا تعمل.

فصل


كيفية النظم أنه - تعالى - لما قال :﴿ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾ [ آل عمران : ١٢٠ ] أتبعه ببيان أن الصبر يؤدي إلى النُّصْرة، والمعونة، ودَفْع ضرر العدو، وأن عدم الصبر يؤدي إلى خلاف ذلك، فقال :﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ يعني : يوم أُحُد، كانوا كثيرين، مستعدِّين للقتال، فلما خالفوا أمر الرسول ﷺ انهزموا، ويوم بدر كانوا قليلين، غير مستعدين للقتال، فلما أطاعوا أمر الرسول ﷺ غَلَبُوا.
وفيه وجه آخر، وهو أنه لما نهى عن اتخاذ المنافقين بطانة، بيَّن - هنا - العلة في ذلك، وهي أن انكسارَكم يوم أحُد، إنما حصل بسبب تخلُّف عبد الله بن أبَيِّ ابْن سَلُول، المنافق.


الصفحة التالية
Icon