ثم إن رسول الله ﷺ لما خالف رأي عبد الله بن أبي شق ذلك عليه، وقال : أطاع الولدان وعصاني، ثم قال لأصحابه : إن محمداً إنما يظفر بعدوه بكم، وقد واعد أصحابه أن أعداءهم إذا عاينوهم انهزموا، فإذا رأيتم أعداءه فانهزموا، فيتبعوكم، فيصير الأمر على خلاف ما قاله محمد ﷺ، فلما التقى الفريقان انهزم عدو الله بالمنافقين، وكان جملة عسكر المسلمين ألفاً، فانهزم عبد الله بن أبي بثلاثمائة، وبقيت سبعمائة، فذلك قوله تعالى :« إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ » [ آل عمران : ١٢٢ ].
أي : أن تضعفا، وتجبُنا، وتتخلفا.
والطائفتان : بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وكانا جناحي العسكر، وكان عليه السلام قد خرج في ألف رجل، فانخزل عبد الله بن أبي بثلث الجيش، وقال : نقتل أنفسنا وأولادنا! فتبعهم أبو جابر السُّلمِي، وقال : أنشدكم الله في نبيكم، وفي أنفسكم، فقال عبد الله بن أبَيّ :﴿ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٦٧ ]، وهمت بنو سلمة وبنو حارثة بالانصراف مع عبد الله بن أبيّ، فعصمهم الله، فلم ينصرفوا، فذكرهم الله عظيم نعمته. فقال - تعالى - ﴿ إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ والله وَلِيُّهُمَا ﴾ [ آل عمران : ١٢٢ ] ناصرهما، وحافظهما، ثم قواهم الله، حتى هزموا المشركين، فلما رأى المؤمنون انهزام القوم، طلبوا المدبرين، فأراد الله أن يعظهم عن هذا الفعل؛ لئلا يقدموا على مخالفة أمر الرسول ﷺ، وليعلموا أن نصرهم غنما حصل ببركة طاعتهم لله ولرسوله، ومتى تركهم الله مع عدوهم لم يقوموا لهم، فنزع الله الرُّعب من قلوب المشركين، فكَرَّ عليهم المشركون، وتفرق العسكر ن رسول الله ﷺ كما قال تعالى :﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ والرسول يَدْعُوكُمْ في أُخْرَاكُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٥٣ ]، وشُجَّ وَجْه الرسول ﷺ، وكُس~رَت رَبَاعِيَتهُ، وشَلَّتْ يد طلحة دونه، ولم يَبْقَ معه إلا أبو بكر، وعليّ، والعباسُ، وطلحة وسعد، ووقعت الصيحة في العسكر بأن محمداً ﷺ قد قُتِل، ثم نودي على الأنصار بأن هذا رسول الله، فرجع إليه المهاجرون والأنصار، وكان قد قُتِل منهم سبعون، وأكْثر فيهم الجراح، فقال ﷺ :


الصفحة التالية
Icon