أي : إنك إذا هممت بشيء، ولم تفعله، وجال في نفسك، فأنت في تعب منه حتى تقضيَه.
قوله :﴿ أن تَفْشَلاَ ﴾ متعلق ب « هَمَّتْ » ؛ لأنه يتعدى بالباء، والأصل : بأن تفشلا، فيجري في محل « أن » الوجهان المشهوران.
والفشل : الجبن والخَوَر.
وقال بعضهم : الفشل في الرأي : العجز، وفي البدن : الإعياء، وعدم النهوض، وفي الحرب الجُبْن والخَوَر، والفعل منه فَشِل - بكسر العين - وتفاشل الماء - إذا سال -.
وقرأ عبد الله : والله وليهم، كقوله :﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا ﴾ [ الحجرات : ٩ ].
قوله :﴿ وَعَلى الله ﴾ متعلق بقوله :﴿ فَلْيَتَوَكَّلِ ﴾، قدم للاختصاص، ولتناسب رؤوس الآي. وتقدم القول في نحو هذه الفاء.
قال أبو البقاء :« دخلت الفاء فمعنى الشرط، والمعنى : إن فشلوا فتوكلوا أنتم، أو إنْ صعب الأمر فتوكلوا ».
قال جابر : نزلت هذه الآية - ﴿ إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ ﴾ - فينا - بني سلمة، وبني حارثة وما أحب أنها لم تنزل، والله يقول :﴿ والله وَلِيُّهُمَا ﴾.
قال ابنُ الخَطِيبِ :« ومعنى ذلك فرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله تعالى، وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية، وأن تلك الهمَّة، ما أخرجتهم عن ولاية الله تعالى ».
والتوكُّل : تفعُّل، إمَّا من الوكالة - وهي : تفويض الأمر إلى من يوثق بحُسْن تدبيره، ومعرفته في التصرُّف - وإمَّا من وكل أمره إلى فلان، إذا عجز عنه.
قال ابنُ فارس :« هو إظهار العَجْز، والاعتماد على غيرك »، يقال : فلان وكله يَكِلُه، أي : عاجز يكلُ أمره إلى غيره، والتاء في تُكَلَة بدل من الواو، كتخمة وتجاه وتراث.

فصل


اختلف العلماء في حقيقة التوكل، فسئل عنه سَهْل بن عبد الله، فقال : قالت فرقة : هو الرضا بالضمان وقطع الطمع من المخلوقين.
وقال قوم : التَّوكُّل : ترك الأسباب، والركون إلى مُسَبِّب الأسباب، فإذا شغله السبب عن المسبب، زال عنه اسم التوكُّل.
قال سهل : من قال : التوكل يكون بتَرك السبب، فقد طعن في سنة رسول الله ﷺ ؛ لأن الله يقول :﴿ فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبا ﴾ [ الأنفال : ٦٩ ]، والغنيمة اكتساب، وقال ﷺ :« إنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ الْمُحْتَرِفَ ».


الصفحة التالية
Icon