لما بين - تعالى - أن محبته لا تتم إلا بمتابعة الرسول بين علو درجات الرُّسُل فقال :« إنَّ اللهَ اصطفى آدم ونوحاً » « نوح » اسم أعجمي، لا اشتقاق له عند محققي النحويين، وزعم بعضهم أنه مشتق من النُّواح. وهذا كما تقدم لهم في آدم وإسحاق ويعقوب، وهو منصرف وإن كان فيه عِلَّتان فَرعيَّتان : العلمية والعجمة الشخصية - لخفّة بنائه؛ لكونه ثلاثياً ساكن الوسط، وقد جوَّز بعضهم منعَه؛ قياساً على « هند » وبابها لا سماعاً؛ إذْ لم يُسمَع إلا مصروفاً وادعى الفرّاء أن في الكلام حذفَ مضاف، تقديره : إن الله اصطَفى دينَ آدمَ.
قال التبريزي :« وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنه لو كان الأمر على ذلك لقيل : ونوحٍ - بالجر - إذ الأصل دين آدم ودين نوح ».
وهذه سقطة من التبريزيُّ؛ إذْ لا يلزم أنه إذا حُذِفَ المضاف، بقي المضاف إليه [ على جره ] - حتى يرد على الفراء بذلك، بل المشهور - الذي لا يعرف الفصحاء غيره - إعراب المضاف إليه بإعراب المضاف حين حذفه، ولا يجوز بقاؤه على جرِّه إلا في قليل من الكلام، بشَرْطٍ مذكورٍ في النحو يأتي في الأنفال إن شاء الله تعالى.
وكان ينبغي - على رأي التبريزيّ : أن يكون قوله تعالى :﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ] بجر « القرية » ؛ لأن الكُلَّ هو وغيره - يقولون : هذا على حَذْف مضاف، تقديره : أهل القرية.
قال القرطبيُّ :« وهو - نوح - شيخُ المرسلين، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض - بعد آدم - ﷺ - بتحريم البنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وسائر القرابات المحرمة، ومن قال - من المؤرخين - إن إدريس كان قبلَه فقد وهم » على ما يأتي بيانه في الأعراف - إن شاء الله تعالى.
وعمران اسم أعجميٌّ.
وقيل : عربيّ، مشتق من العَمْر، وعلى كلا القولين فهو ممنوع من الصرف؛ للعلمية، و العُجْمة الشخصية، وإما للعلمية، وزيادة الألِف والنون.
قوله :﴿ عَلَى العالمين ﴾ متعلق ب « اصْطَفَى ».
قوله :« اصْطَفَى » يتعدى ب « مِنْ » نحو اصطفيتك مِن الناس.
فالجواب : أنه ضُمِّنَ معنى « فَضَّل »، أي : فضَّلَهُم بالاصطفاء.
فصل
اعلم أن المخلوقات على قسمين : مكلَّف، وغير مكلَّف، واتفقوا على أن المكلَّف أفضل. وأصناف المكلفين أربعة : الملائكة، والإنس، والجن، والشياطين.
أما الملائكة فقد روي أنهم خُلِقوا من الريح، ولهذا قدروا على الطيران، وعلى حمل العرش، وسُمُّوا روحانيين
وروي أنهم خُلِقوا من النور، ولهذا صَفَتْ وأخلصت لله - تعالى - ويُمْكن الجمع بين الروايتين بأن نقول : أبدانهم من الريح، وأرواحهم من النور وهؤلاء سكان عالم السموات.