والمقصود منه : تأكيد ما ذكره أولاً من قوله :﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ ﴾ [ آل عمران : ١٢٨ ]، والمعنى : إنما يكون ذلك لمن له الملك، وليس هو لأحد إلا الله.
وقال :﴿ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ ولم يقل : مَنْ؛ لأن الإشارة إلى الحقائق والماهيات، فدخل الكُلُّ فيه.
قوله :﴿ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ﴾ احتجوا بذلك على أنه سبحانه - له أن يُدْخِلَ الجنة - بحُكْم إلهيته - جميعَ الكُفَّار، وله أن يُدْخِلَ النارَ - بحكم إلهيته - جميع المقربين، ولا اعتراض عليه؛ لأن فعلَ العبد متوقف على الإرادة، وتلك الإرادة مخلوقة لله - تعالى - فإذا خلق الله تلك الإرادة أطاع، وإذا خلق النوع الآخر من الإرادة عصى، فطاعة العبد من الله، ومعصيته - أيضاً - من الله - وفعل الله لا يوجب على الله شيئاً - ألبتة -، فلا الطاعة توجب الثواب، ولا المعصية توجب العقاب، بل الكل من الله - بحكم إلهيته وقهره وقدرته - فصح ما ادعيناه.
فإن قيل : أليس ثبت أنه لا يُغْفَرُ لِلْكُفَّارِ، ولا يُعَذَّبُ المَلاَئِكَةُ والأنْبِيَاءُ - عليهم السلام.
قلنا : مدلول الآية أنه لو أراد فعل، ولا اعتراض عليه، وهذا القدر لا يقتضي أنه يفعل، أو لا يفعل.
ثم قال :« والله غفور رحيم » والمقصود منه أنه وإن حَسُنَ كل ذلك منه إلا أن جانب الرحمة والمغفرة غالب، لا على سبيل الوجوب، بل على سبيل الفضل والإحسان.


الصفحة التالية
Icon