قوله :﴿ عَرْضُهَا السماوات والأرض ﴾ [ لا بد فيه من حَذْف؛ لأن نفس السموات ] لا تكون عرضاً للجنة، فالتقدير : عرضها مثل عرض السموات والأرض، يدل على ذلك قوله :« كعرض »، والجملة في محل جر صفة لِ « جَنَّةٍ ».

فصل


في معنى قوله :﴿ عَرْضُهَا السماوات والأرض ﴾ وجوه :
أحدها : أن المراد : لو جُعِلَت السمواتُ والأرضُ طبقاتٍ طبقاتٍ، بحيث تكون كل واحدةٍ من تلك الطبقات خَطاً مؤلفاً من أجزاء لا تُجَزَّأ، ثم وُصِل البعض بالبعض طبقاً واحداً، لكان مثل عرض الجنة.
وثانيها : أن الجنة التي يكون عرضُها كعرض السموات والأرض، إنَّما تكون للرجل الواحد؛ لأن الإنسان إنما يرغب فيما يصير ملْكاً له.
وثالثها : قال أبو مسلم : إن الجنة لو عُرِضت بالسموات والأرض على سبيل البيع، لكانت ثمناً للجنة، يقول : إذا بعت الشيء بالشيء : عرضته عليه وعارضته به فصار العرض يوضع موضع المساواة بين الشيئين في القدر، وكذلك - أيضاً - في معنى : القيمة؛ لأنها مأخوذة من مقاومة الشيء للشيء حتى يكون كلُّ واحدٍ منهما مِثْلاً للآخر.
ورابعها : أن المقصود المبالغة في وَصْف سعة الجنة؛ لأنه ليس شيء عنده أعرض منها، ونظيره قوله :﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض ﴾ [ هود : ١٠٧-١٠٨ ] فإن أطْول الأشياء بقاءً - عندنا - هو السموات والأرض فخوطبنا على قَدْر ما عرفناه.
فإن قيل : لِمَ خُصَّ العَرْضُ بالذكْر.
فالجواب من وجهين :
الأول : أنه لما كان الغرض تعظيم سعتها، فإذا كان عَرْضُها بهذا العِظَم، فالظاهر أن الطول يكون أعظم، ونظيره قوله :﴿ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ﴾ [ الرحمن : ٥٤ ]، فذكر البطائن؛ لأن الظاهرَ أنَّها أقل من الظِّهارة، فإذا كانت البطائن هكذا، فكيف الظهارة.
الثاني : قال القفّال : ليس المراد بالعَرض - هاهنا - المخالف للطول، بل هو عبارة عن السعة، كما تقول العرب : بلاد عريضة، ويقال : هذه دعوى عريضة، واسعة عظيمة.
قال الشاعر :[ الطويل ]
١٦١٦- كَأنَّ بِلاَدَ اللهِ - وَهْيَ عَرِيضَةٌ- عَلَى الْخَائِفِ الْمَطْلُوبِ كِفَّةُ حَابِلِ
والأصل فيه أن ما اتسع عَرْضُه لم يَضِقْ وما ضاق عرضه دَقَّ، فجعل العَرْضَ كنايةً عن السعة.

فصل


رُوِيَ أن يهوديًّا سأل النبي ﷺ، وقال : إنك تدعو إلى جنة عرضُها السموات والأرض أعدت للمتقين، فأين النار.
فقال ﷺ :« سبحان الله!! فأين الليلُ إذا جاءَ النهار ».
ورُوِيَ عن طارق بن شهاب أن ناساً من اليهود سألوا عمر بن الخطاب - وعنده أصحابه - فقالوا : أرأيتم قولكم : وجنة عرضها السموات والأرض؟ فأين النار.
قال عُمَرُ : أرأيتم إذا جاء النهار، أين يكون الليل؟ وإذا جاء الليل، أين يكون النهار.
قال عُمَرُ : أرأيتم إذا جاء النهار، أين يكون الليل؟ وإذا جاء الليل، أين يكون النهار.
فقالوا له : إنه لمثلها في التوراة، ومعناه حيث شاء الله.


الصفحة التالية
Icon