قال الزجاج : المعنى : أهل سنن، فحذف المضاف.
قال مجاهد : بل المراد، سنة الله تعالى في الكافرين والمؤمنين، فإن الدنيا لم تَبْقَ، لا مع المؤمن، ولا مع الكافر، ولكن المؤمن يبقى له بعد موته الثناءُ الجميل في الدنيا، والثواب الجزيل في العُقْبَى، والكافر يبقى اللعن عليه في الدنيا والعقاب في الآخرة.
قوله :﴿ فَسِيرُواْ ﴾ جملة معطوفة على ما قبلها، و التسبُّب في هذه الفاء ظاهر، أي : سبب الأمر بالسير لتنظروا - نَظَرَ اعتبار - خُلُوَّ مَنْ قبلكم من الأمم وطرائقهم.
وقال أبو البقاء :« ودخلت الفاء في » فَسِيرُوا « ؛ لأن المعنى على الشرط، أي : إن شككتم فسيروا ».
وقوله :﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين ﴾ « كيف » خبر مقدم، واجب التقديم، لتضمُّنه معنى « الاستفهام »، وهو معلق ل « انْظُرُوا » قبله، فالجملة في محل نصب بعد إسقاط الخافض؛ إذ الأصل : انظروا في كذا.
فصل
والغرض من هذا الكلام : زَجْر الكفار عن الكفر بتأمل أحوال المكذبين، ونظيره قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون ﴾ [ الصافات : ١٧١-١٧٣ ]، وقوله :﴿ والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [ القصص : ٨٣ ]، وقوله :﴿ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ﴾ [ الأنبياء : ١٠٥ ] وليس المراد منه الأمر بالسير - لا محالة - بل المقصود : تعرف أحوالهم، فإن حصلت المعرفة بغير السير حصل المقصود، ويحتمل أن يقال - أيضاً- : إنَّ مشاهدة آثار المتقدمين لها، أثر أقوى من أثر المساع.
قال الشاعر :[ الخفيف ]
١٦٢٧- إنَّ آثَارَنَا تَدُلُّ عَلَيْنَا | فَانْظُرُوا بَعْدَنَا إلَى الآثَارِ |
فصل
قال المفسرون : وهذا في حرب أحد، يقول : فأنا أمهلهم، وأسْتدرجهم، حتى يبلغ أجلي الذي أجَلألْتُ في نُصْرَة النبي ﷺ وأوليائه وهلاك أعدائه.
قوله تعالى :﴿ هذا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ ﴾ أي : القرآن.
وقيل : ما تقدم من قوله :﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ ﴾.
وقيل : ما تقدم من أمره ونهيه ووعده ووعيده.
والموعظة : الوعظ وقد تقدم.
قوله :« للناس » يجوز أن يتعلقَ بالمصدر قبلَه، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه وَصْف له.
قوله :﴿ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ يجوز أن يكون وَصْفاً - أيضاً - ويجوز أن يتعلق بما قبله، وهو محتمل لأن يكونَ من التنازع، وهو على إعمال الثاني للمحذوف من الأول.
فصل
في الفرق بين الإبانة وبين الهُدَى، وبين الموعظة؛ لأن العطْفَ يقتضي المغايرة، وذكروا فيه وجهين :
الأول : أن البيان هو الدلالة التي تزيل الشبهة، والهُدَى بيان الطريق الرشيد؛ ليُسْلَك دون طريق الغَيّ، والموعظة هي الكلام الذي يُفِيد الزَّجْر عما لا ينبغي في الدين.
الثاني : أن البيانَ هو الدلالة، وأما الهدى فهي الدلالة بشرط إفْضَائها إلى الاهتداء.
وخصَّ المتقين؛ لأنهم المنتفعون به، وتقدَّم الكلام في ذلك في قوله :« هدى للمتقين ».
وقيل : إن قوله ﴿ هذا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ ﴾ عَامّ، ثم قوله :﴿ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ مخصوص بالمتقين؛ لأن الهُدَى اسم للدلالة الموصِّلة إلى الاهتداء، وهذا لا يحصُل إلا في حقِّ المتقين.