والدَّؤلُولُ : الداهية، والجمع الدآليل والدُّؤلات.
وقرئ شاذًّا :« يُدَاوِلَهَا » - بياء الغيبة - وهو موافق لما قبله، ولما بعده.
وقرأ العامةُ على الالتفات المفيد للتعظيم.
فصل
ومعنى مداولة الأيام بين الناس أن مسارَّها لا تدوم، وكذلك مضارُّها، فيوم يكون السرور لإنسان والغمّ لعدوه، ويوم آخر بالعكس، وليس المراد من هذه المداولة أن الله تعالى تارةً ينصر المؤمنين، وأخْرَى ينصر الكافرين؛ لأن نَصْر الله مَنْصِب شريف عظيم، فلا يليق بالكافر، بل المراد من هذه المداولة : أنه تارة يُشَدَّد المحنة على الكفار، وتارة على المؤمنين، وتشديد المحنة على المؤمن أدَبٌ له في الدنيا، وتشديد المِحْنةِ على الكافر غضب من الله تعالى عليه.
ورُوِيَ أن أبا سفيان صعد الجَبَل يوم أُحُد، قال : أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر : هَذَا رسولُ الله ﷺ وهذا أبو بكر، وهذا أنا عمر، فقال أبو سفيان : يوم بيوم والأيام دُوَلٌ والحرب سجال، فقال عمر : لا سواء؛ قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار، فقال أبو سفيان : إن كان كما تزعمون فقد خِبنا - إذَنْ وخَسِرْنا.
وروى البراء بن عازب قال : جعل النبي ﷺ على الرُّماة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلاً - عبدَ الله بن جبير، فقال ﷺ :« إن رأيتمونا تَخَطَّفُنَا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرْسِل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أُرْسِل إليكم، وكان على يمنة المشركين خالد ابن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل، ومعهم النساء يضربْنَ بالدفوف، ويقُلْنَ الأشعارَ، فقاتلوا حتى حميت الحربُ، فأخذ رسول الله ﷺ سيفاً، فقال : مَنْ يأخذ هذا السيف بحقه، ويَضْرب به العدو حتى ينحني؟ فأخذه أبو دُجانة سماك بن خَرْشَة الأنصاري، فلما أخذه اعتَمَّ بعمامة حمراء، وجعل يتبختر، - فقال رسولُ الله ﷺ : إنَّها لمِشْيَة يبغضُهَا اللهُ ورسولُه إلا فِي هَذَا المَوْضِعِ » فَفلَقَ به هَامَ المشركين، وحمل النبيُّ ﷺ وأصحابهُ على المشركين، فهزموهم، قال : فأنا - والله - رأيتُ النساء يشتدّون - قد بدت خلاخِلُهن وأسْوُقُهن رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله : الغنيمةَ، أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم، فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جُبَيْر : أنسيتم ما قال لكم رسولُ الله ﷺ ؟ فقالوا : والله لنأتِيَنَّ الناسَ فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتَوْهُم صُرِفَتْ وُجوهُهم، فأقْبَلُوا منهزمين، فذاك إذْ تدعوهم، والرسول في أخراهم، فلم يَبْقَ مع النبيِّ ﷺ غيرُ اثني عَشَرَ رَجُلاً، فأصابوا مِنَّا سَبْعِينَ، وكان النبيُّ ﷺ وأصحابه أصابوا من المشركين يومَ بدر أربعين ومائة - سبعين أسيراً، وسبعين قتيلاً - فقال أبو سفيان ثلاثَ مرات : أفي القوم محمدٌ؟ فنهاهم النبيُّ ﷺ أن يُجيبوه، فقال : أفي القوم ابن أبي قُحَافَةَ ثلاث مرات؟ أفي القوم عُمَر ثلاث مرات؟ فرجع إلى أصْحَابه، فقال : أما هؤلاء فقد قُتِلوا، فما مَلَكَ عمرُ نفسه؛ فقال : كذبتَ - والله - يا عدوّ الله؛ إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوؤك، قال : يوم بيوم بدر، والحرب سِجَال، إنكم ستجدون في القوم مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بها ولم تَسُؤنِي، ثم جعل يزمجر : اعْلُ هُبَلُ، اعْلُ هُبَلُ، فقال النبي ﷺ :