وفي جعله محْصاً - بتسكين الحاء - مصنوعاً نظر؛ لأن أهل اللغة نقلوه ساكنها، وهو قياس مصدر الثلاثي. ومَحَصْت السيف والسنان : جَلَوتُهما حتى ذهب صدأهما.
قال أسامة الهذليّ :[ الطويل ]

١٦٣٥- وَشَقُّوا بِمَمْحُوصِ السِّفَانِ فُؤادَهُ لَهُمْ قُتُرَاتٌ قَدْ بُنِيْنَ مَحَاتِد
أي : بمجلُوٍّ، ومنه استُعِير ذلك في وَصْف الحبل بالملاسة والبريق.
قال العجاج :[ الرجز ]
١٦٣٦- شَدِيدُ جَلْزِ الصُّلْبِ مَمْحُوصُ الشَّوَى كَالْكَرِّ، لا شَخْتٌ وَلاَ فِيهِ لَوَى
والشوى : الظهر، قَصَره ضرورةً، سُمِع : فعلتُه حتى انقطع شَوَاي، أي : ظَهْري. والمحق - في اللغة - النقصان.
وقال المفضَّل : هو أن يذهب الشيءُ كلُّه، حتَّى لا يُرَى منه شيء، ومنه قوله تعالى :﴿ يَمْحَقُ الله الربا ﴾ [ البقرة : ٢٧٦ ] أي : يستأصله، وقد تقدم الكلام عليه في البقرة.
قال الزجاج : معنى الآية : أن الله تعالى جعل الأيام مداولةً بين المسلمين والكافرين، فإن حصلت الغلبة للكافرين كان المراد : تمحيص ذنوب المؤمنين - أي : تطهيرها - وإن كانت الغلبة للمؤمنين كان المراد : مَحْق آثار الكافرين، ومَحْوَهم، فقابل تمحيص المؤمنين بمحق الكافرين؛ لأن تمحيص هؤلاء باهلاك ذنوبهم نظير مَحْق أولئك بإهلاك نفوسهم، وهذه مقابلة لطيفة، والأقرب أن المراد بالكافرين - هنا - طائفة مخصوصة منهم - وهم الذين حاربوا رسول الله ﷺ يوم أُحُد، لأن الله تعالى لم يَمْحَق كل الكافرين، بل بَقِي كثير منهم على كُفره.


الصفحة التالية
Icon