الثاني : أن الفتحةَ فتحةُ التقاء الساكنين، والفعل مجزوم، فلما وقع بعده ساكنٌ آخر، احتيج إلى تحريك آخرهِ، فكانت الفتحة أوْلَى؛ لأنها أخف، وللإتباع لحركة اللام، كما قيل ذلك في أحد التخريجين في قراءة « وَلَمَّا يَعْلَمَ اللهُ » بفتح الميم - والأول هو الوجه.
وقرأ الحسنُ وأبو حيوةَ وابنُ يَعْمُرَ : بكسر الميم؛ عطفاً على « يَعْلَم » المجزوم ب « لَمَّا ».
وقرأ عَبْدُ الوَارِثِ - عن أبي عَمْرو بْنِ العَلاَءِ - « وَيعْلَمُ » بالرفع، وفيها وجهان :
أظهرهما : أنه مستأنف، أخبر - تعالى - بذلك.
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ :« على أن الواو للحال، كأنه قيل : ولما تجاهدوا وأنتم صابرون ».
قال أبُو حَيَّانَ :« ولا يصح ما قال؛ لأن واو الحال لا تدخل على المضارع، لا يجوز : جاء زيد ويضحك - تريد : جاء زيد يضحك، لأن المضارع واقع موقع اسم الفاعل، فكما لا يجوز : جاء زيد وضاحكاً، كذلك لا يجوز : جاء زيد ويضحك فإن أولَ على أن المضارع خبر لمبتدأ محذوف، أمكن ذلك، التقدير : وهو يعلم الصابرين.
كما أولوا قول الشاعر :[ المتقارب ]

١٦٤٠-................ نَجَوْتُ وَأرْهَنُهُمْ مَالِكا
أي : وأنا أرهنهم ».
قال شهابُ الدين :« قوله : لا تدخل على المضارع، هذا ليس على إطلاقه، بل ينبغي أن يقول : على المضارع المثبت، أو المنفي ب » لا « ؛ لأنها تدخل على المضارع المنفي ب » لم ولمَّا «. وقد عُرِف ذلك مراراً ».
ومعنى الآية : أن دخول الجنة، وترك المصابرة على الجهاد مما لا يجتمعان.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الموت ﴾ قرأ البزي : بتشديد تاء « تَمَنَّوْنَ »، ولا يمكن ذلك إلا في الوصل، وقاعدته : أنه يصل ميم الجمع بواو، وقد تقدم تحرير هذا عند قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾ [ البقرة : ٢٦٧ ].
قوله :« مِن قَبْلِ » الجمهور على كسر اللام؛ لأنها مُعْربة؛ لإضافتها إلى « أنْ » وصلتها.
وقرأ مجاهد وابنُ جبير :﴿ مِنْ قَبْلُ ﴾ بضم اللام، وقطعها عن الإضافة، كقوله تعالى :﴿ لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ﴾ [ الروم : ٤ ] وعلى هذا فَ « أنْ » وَصِلَتُها بدل اشتمال من « الْمَوْتَ » في محل نصب، أي : تَمَنَّوْنَ لقاء الموت، كقولك : رَهِبْتُ العَجُوَّ لقاءَه، والضمير في « تَلْقَوْهُ » فيه وجهان :
أظهرهما : عوده على « الْمَوْتَ ».
والثاني : عوده على العدو، وإن لم يجر له ذِكْر - لدلالة الحال عليه.
وقرأ الزُّهَرِيُّ، والنخعيّ « تُلاَقُوه »، ومعناه معنى « تَلْقَوْه » ؛ لأن « لقي » يستدعي أن يكون بين اثنين - بمادته - وإن لم يكن على المفاعلة.


الصفحة التالية
Icon