وجوابه : أنه إذا علم الله من العبد الكفر، وكتب في اللوح المحفوظ منه الكفر، فلو أتَى بالإيمان كان ذلك جمعاً بين المتنافيين؛ لأن العلم بالكفر، والخبر والصدق عن الكفر - مع عدم الكفر - جمع بين النقيضين، وهو محال، وهذا موضِعُ الإلزام.
فصل
قال المفسرون : أجل الموت هو الوقت الذي في معلوم الله - تعالى - أن روح الحيِّ تفارق جيده فيه، ومتى قُتِل العبدُ علمنا أن ذلك أجله، ولا يصح أن يقال : لو لم يُقْتَل لعاش، بدليل قوله تعالى :﴿ كِتَاباً مُّؤَجَّلاً ﴾ [ آل عمران : ١٤٥ ]، وقوله :﴿ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [ يونس : ٤٩ ] وقوله :﴿ إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ ﴾ [ نوح : ٤ ]، وقوله :﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [ الرعد : ٣٨ ].
والمعتزليّ يقول : يتقدَّم الأجل ويتأخّر، وأن مَنْ قُتِل فإنما يهلك قبل أجله، وكذلك كل ما ذبح من الحيوان كان هلاكه قبل أجله، لأنه يجب على القاتل الضمان والدِّيَة، وهذه الآية رَدٌّ عليهم.
قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا ﴾ مبتدأ، وهي شرطية. وفي خبر هذا المبتدأ الخلاف المشهور. وأدغم أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر بخلاف عنه - دال « يُرِد » في الثاء.
والباقون بالإظهار.
وقرأ أبو عمرو بالإسكان في هاء « نُؤتِهِ » في الموضعين وَصْلاً ووقفاً.
وهشام - بخلاف عنه - بالاختلاس وصلاً.
والباقون بالإشباع وَصْلاً.
فأما السكون فقالوا : إن الهاء لما حلت محلّ ذلك المحذوف أعطيت ما كان يستحقه من السكون، وأما الاختلاس، فلاستصحاب ما كانت عليه الهاء قبل حَذْف لام الكلمة؛ فإن الأصل : نؤتيه، فحُذِفَت الياء للجزم، ولم يُعْتَدّ بهذا العارض، فبقيت الهاء على ما كانت عليه.
وأما الإشباع فنظراً إلى اللفظ؛ لأن الهاء بعد متحرِّكٍ في اللفظ، وإن كانت في الأصل بعد ساكن - وهو الياء التي حُذِفَت للجزم - والأوْلى أنْ يقال : إنَّ الاختلاس والإسكان بعد المتحرك لغة ثابتة عن بني عقيل وبني كلاب.
حكى الكسائي : لَهْ مالٌ، وبِهْ داء - بسكون الهاء، واختلاس حركتها - وبهذا يَتَبَيَّن أن مَنْ قال : إسكان الهاء واختلاسها - في هذا النحو - لا يجوز إلا ضرورةً، ليس بشيءٍ، أمَّا غير بني عقيل، وبني كلاب، فنعم لا يوجد ذلك عندهم، إلا في ضرورة.
كقوله :[ الوافر ]
١٦٤٥- لَهُ زَجَلٌ كَأنَّهُ صَوْتُ حَادٍ إذَا طَلَبَ الوَسِيقَةَ أوْ زَمِيرُ
باختلاس هاء ( كأنه ).
ومثله قول الآخر :[ البسيط ]
١٦٤٦- وَأشْرَبُ الْمَاءَ مَا بِي نَحْوَهُ عَطَشٌ | إلاَّ لأنَّ عُيُونَهْ سَيل وَادِيهَا |