وقال الشاعر :[ الطويل ]

١٤١٢- وَلاَ تَنْسَ مَيْتاً بَعْدَ مَيْتٍ أجَنَّهُ عَلِيٌّ وعَبَّاسٌ وَآلُ أبِي بَكْرِ
وقال الآخر :[ الوافر ]
١٤١٣- يُلاَقِي مِنْ تَذَكر آل لَيْلَى كَمَا يَلْقَى السَّليمُ مِنَ العِدَادِ
وقيل : المراد من آل عمران عيسى - عليه السلام - لأن أمه ابنة عمران.
وأما عمران فقيل : والد موسى، وهارون، وأتباعهما من الأنبياء.
وقال الحسن ووهب : المراد عمران بن ماثان، أبو مريم، وقيل اسمه عمران بن أشهم بن أمون، من ولد سليمان وكانوا من نسل يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام - قالوا : وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة واحتج من قال بأنه والد مريم بذكر قصة مريم عقيبه.
قوله :﴿ ذُرِّيَّةَ ﴾ في نَصْبها وجهان :
أحدهما : أنها منصوبة على البدل مما قبلها، وفي المُبْدَل منه - على هذا - ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها بدل من « آدَمَ » وما عُطِفَ عليه وهذا إنَّمَا يتأتَّى على قول من يُطْلِق « الذُّرِّيَّة » على الآباء وعلى الأبناء وإليه ذَهَب جماعةٌ.
قال الجرجاني :« الآية توجب أن تكون الآباء ذرية للأبناء والأبناء ذرية للآباء. وجاز ذلك؛ لأنه من ذرأ الخلق، فالأب ذُرِئ منه الولد، والولد ذرئ من الأب ».
قال الراغبُ :« الذرية يقال للواحد والجمع والأصل والنسل، لقوله تعالى :﴿ حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [ يس : ٤٠ ] أي : آباءهم، ويقال للنساء : الذراريّ ». فعلى هذين القولين صَحَّ جَعْل « ذُرِّيَّةٌ » بدَلاً من « آدم » بما عطف عليه.
قال أبو البقاء :« ولا يجوز أن يكون بدلاً من » آدم « ؛ لأنه ليس بذريته »، وهذا ظاهر إن أراد آدَمَ وحده دون مَنْ عُطِف عليه، وإن أراد « آدم » ومَنْ ذُكِرَ معه فيكون المانع عنده عدم جواز إطلاق الذُّرِّيَّة على الآباء.
الثاني - من وجهي البدل - أنها بدل من « نُوح » ومَنْ عطف عليه، وإليه نحا أبو البقاء.
الثالث : أنها بدل من الآلين - أعني آل إبراهيمَ وآل عمرانَ - وإليه نحا الزمخشريُّ. يريد أن الأولين ذرية واحدة.
الوجه الثاني - من وجهي نصب « ذُرِّيَّةً » - النصب على الحال، تقديره : اصطفاهم حال كونهم بعضهم من بعض، فالعامل فيها اصطفى. وقد تقدم القول في اشتقاق هذه اللفظة.
قوله :﴿ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ﴾ هذه الجملة في موضع نصب، نعتاً لِ « ذُرِّيَّةً ».

فصل


قيل :﴿ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ﴾ أي : بعضها من وَلَد بعض.
وقال الحسن وقتادة :﴿ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ﴾ في الضلالة.
وقيل : في الاجتباء والاصطفاء والنبوة.
وقيل : بعضها من بعض في التناصُر.
وقيل : بعضها على دين بعض - أي : في التوحيد، والإخلاص، والطاعة كقوله ﴿ المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ ﴾ [ التوبة : ٦٧ ]، أي : بسبب اشتراكهم في النفاق.
قوله :﴿ والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ قال القفَّال : والله سميع لأقوال العباد، عليم بضمائرهم، وأفعالهم، يصطفي من يعلم استقامته قولاً وفعلاً، ونظيره قوله :﴿ الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ].
وقيل : إن اليهود كانوا يقولون : نحن من ولد إبراهيم، وآل عمران، فنحن أبناء الله، والنصارى كانوا يقولون المسيح ابن الله، وكان بعضهم عالماً بأن هذا الكلامَ باطل، إلا أنه بقي مصراً عليه، ليُطَيِّب قلوبَ العوامِّ، فكأنه - تعالى - يقول : والله ﴿ سَمِيعٌ ﴾ لهذه الأقوالِ الباطلةِ منكم، « عليم » بأغراضكم الفاسدةِ من هذه الأقولال، فيجازيكم عليها، فكان أول الآية بياناً لشرف الأنبياءِ والرسل وتهديداً لهؤلاء الكاذبين الذين يزعمون أنهم مستقرون على أديانهم.


الصفحة التالية
Icon