والجمهورُ على « وَهَنُوا » - بفتح الهاء - والأعمش وأبو السَّمَّال بكسرها، وهما لغتانِ : وَهَنَ يَهِنُ - كَوَعَدَ يَعِدُ - وَوَهَنَ يَوْهَنُ - كوَجَلَ يَوْجَلُ - وروي عن أبي السَّمَّال - أيضاً - وعِكْرمة : وهْنوا - بسكون الهاء - وهو من تخفيف فَعَل؛ لأنه حرف حلق، نحو نعم وشَهْد - في نَعِم وشَهِد-.
قال القرطبيُّ :- عن أبي زيد - :« وَهِنَ الشيء يَهِنُ وَهْناً، وأوْهنته أنا ووهَّنْتُه : ضعَّفته، والواهنة : أسفل الأضلاع وقصارَاها، والوَهْن من الإبل : الكثيف، والوَهْن : ساعة تمضي من الليل، وكذلك المَوْهِن، وأوهَنَّا : صِرْنا في تلك الساعة ».
و ﴿ لِمَآ أَصَابَهُمْ ﴾ متعلق ب « وَهَنُوا » و « ما » يجوز أن تكون موصولة اسمية، أو مصدرية، أو نكرة موصوفة.
وقرأ الجمهور ﴿ وَمَا ضَعُفُواْ ﴾ - بضم العين - وقرئ : ضَعَفُوا - بفتحها - وحكاها الكسائي لغة.
قوله :﴿ وَمَا استكانوا ﴾ فيه ثلاثةُ أقوالٍ :
أحدها : أنه « استفعل » من الكَوْن - والكَوْن : الذُّلّ - وأصله : استكون، فنُقِلَتْ حركة الواو على الكافِ، ثم قُلِبَت الواو ألفاً.
وقال الأزهريُّ وأبو علي : هو من قول العربِ : بَاتَ فُلان بكَيْنَةِ سوء - على وزن جَفْنَة - أي : بحالة سوء، فألفه - على هذا من ياء، والأصل : استكْيَن، ففُعِل بالياء ما فُعِل بأختها. [ وهو القول الثاني ].
الثالث : قال الفرّاء : وزنة « افتعل » من السكون، وإنما أُشْبِعَت الفتحة، فتولَّد منها ألف.
كقول الشاعر :[ الرجز ]

١٦٥٤- أعُوذُ باللهِ مِنَ الْعَقْرَابِ الشَّائِلاَتِ عُقَدِ الأذْنَابِ
يريد : العقرب الشائلة.
ورُدَّ على الفرّاء بأن هذه الألف ثابتة في جميع تصاريف الكلمةِ، نحو : استكان، يستكين، فهو مستكينٌ ومُستكان إليه استكانةً. وبأنَّ الإشباعَ لا يكون إلا في ضرورةٍ.
وكلاهما لا يلزمه؛ أما الإشباع فواقع في القراءات - السبع - كما سيأتي-.
وأما ثبوت الألف في تصاريف الكلمةِ فلا يدلُّ - أيضاً - لأن الزائدَ قد يَلْزَم؛ ألا ترى أنَّ الميم - في تَمَنْدَل وتَمَدْرَع - زائدة، ومع ذلك ثابتة في جميع تصاريفِ الكلمة، قالوا : تَمَنْدَلَ، يَتَمَنْدَلُ، تَمَنْدُلاً، فهو مُتَمَنْدِل، ومُتَمَنْدَل به. وكذلك تَمَدْرَع، وهما من الندل والدرع.
وعبارة أبي البقاءِ أحسن في الرَّدِّ؛ فإنه قال :« لأن الكلمة ثبتت عينها في جميع تصاريفها تقول : استكان، يستكين، استكانة، فهو مستكين، ومُسْتكان له والإشباع لا يكون على هذا الحد ».
ولم يذكر متعلق الاستكانة والضعف - فلم يَقُلْ : فما ضَعُفُوا عن كذا، وما استكانوا لكذا - للعلم، أو للاقتصار على الفعلين - نحو ﴿ كُلُواْ واشربوا ﴾ [ الحاقة : ٢٤ ] ليعم كُلَّ ما يصلح لهما.
وقال الزمخشري : ما وَهَنُوا عند قَتْل النبيّ.


الصفحة التالية
Icon