﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار ﴾ [ الأنبياء : ٤٢ ] وغيره ليس كذلك.
واعلم أن ظاهر قوله :﴿ وَهُوَ خَيْرُ الناصرين ﴾ يقتضي أن يكون من جنس سائر الناصِرِينَ، وهو منزَّه، عن ذلك، وإنما ورد الكلامُ على حسب تعارفهم، كقوله :﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾
قوله :﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب ﴾ هذا من تمامِ ما تقدم من وجوه الترغيبِ في الجهاد وعدم المبالاةِ بالكفارِ.
قوله :﴿ سَنُلْقِي ﴾ الجمهور بنون العظمة، وهو التفات من الغيبة - في قوله :﴿ وَهُوَ خَيْرُ الناصرين ﴾ وذلك للتنبيه على عظم ما يلقيه - تعالى -.
وقرأ أيوب السَّخْتِيانيّ « سَيُلْقِي » بالغيبة؛ جَرْياً على الأصل. وقدم المجرور على المفعول به؛ اهتماماً بذكر المحلّ قبل ذكر الحَال : والإلقاء - هنا - مجاز؛ لأن أصلَه في الأجرام، فاستُعِيرَ هنا، كقول الشَّاعر :[ الطويل ]

١٦٥٥- هُمَا نَفَثَا فِي فِيء مِنْ فَمَويْهِمَا عَلَى النَّابِحِ الْعَاوِي أشَدَّ رِجَامِ
وقرأ ابنُ عامرٍ والكسائيُّ، وأبو جعفرٍ، ويعقوبُ :« الرُّعْب » و « رُعْباً » - بضم العين - والباقون بالإسكان فقيل : هما لغتان.
وقيل : الأصل الضم، وخُفِّف، وهذا قياس مطردٌ.
وقيل : الأصلُ السكون، وضُمَّ إتباعاً كالصبْح والصبُح، وهذا عكس المعهود من لغة العربِ.
والرُّعْب : الخوف، يقال : رعيته، فهو مرعوب، وأصله من الامتلاء، يقال : رَعَبْتُ الحوض، أي : ملأته وسَيْل راعب، أي : ملأ الوادي.

فصل


قيل : هذا الوعدُ مخصوصٌ بيوم أحُد؛ لأن الآياتِ المتقدمة إنما وردت في هذه الواقعة. والقائلون بهذا ذكروا في كيفية إلقاء الرعبِ في قلوب المشركين وجهين :
الأول : أن الكفارَ لما هزموا المسلمين أوقع اللهُ الرعب في قلوبهم، فتركوهم، وفرّوا منهم من غير سبب، حتى رُوِيَ أن أبا سفيان صعد الجبل، وقال : أين ابنُ أبي كبشةَ؟ أين ابن أبي قُحافةَ؟ أين ابن الخطابِ؟ فأجابه عمر، ودارت بينهم كلماتٌ، وما تجاسَر أبو سفيان على النزول من الجبل، والذهاب إليهم.
والثاني : أن الكفار لما ذهبوا متوجهين إلى مكة - وكانوا في بعض الطريقِ - ندموا، وقالوا : ما صنعنا شيئاً، قتلنا أكثرهم ولم يبق منهم إلا الشديد، ثم تركناهم ونحن قاهرون، ارجعوا حتى نستأصلهم بالكُلية، فلما عزموا على ذلك القى اللهُ الرُّعْبَ في قلوبهم.
وقيل : إنَّ هذا الوْعَد غير مختصٍّ بيوم أُحُد، بل هو عام.
قال القفالُ : كأنه قيل : إنه وإن وقعت لكم هذه الواقعة في ويم أُحُدٍ، إلا أنّ اللهَ تعالى - سَيُلْقي الرُّعب منكم بعد ذلك في قلوب الكُفَّار حتى يقهر الكفار، ويُظْهِرَ دينكم على سائِرِ الأديان، وقد فعل الله ذلك، حتى صار دين الإسلام قاهراً لجميع الأديان والملل. ونظير هذه الآية قوله :« نصرت بالرعب مسيرة شهر ».

فصل


قال بعض العلماءِ : إن هذا العموم على ظاهره، لأنه لا أحد يخالف دينَ الإسلام إلا في قلبه ضَرْب من الرُّعْب، ولا يقتضي وقوع جميع أنواع الرُّعب في قلوب الكافرين، إنما يقتضي وقوع هذه الحقيقة في قلوبهم من بعض الوجوهِ، وذهب جماعة من المفسّرين إلى أن مخصوص بأوائل الكفار.


الصفحة التالية
Icon