العامل في « إذْ » قيل : مُضْمَر، أي : اذكروا.
وقال الزمخشريُّ :« صَرَفَكُمْ » أوْ « لِيَبْتَلِيَكُمْ ».
وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون ظرفاً لِ « عَصَيْتُمْ » أوْ « تَنَازَعْتُمْ » أو فَشِلْتُمْ.
وقيل : هو ظرف لِ « عَفَا عَنْكُمْ » أي : عفا عنكم إذْ تُصْعِدُون هاربين.
وكل هذه الوجوهِ سائغةٌ، وكونه ظرفاً لِ « صَرَفَكُمْ » جيدٌ من جهةِ المعنى، ولِ « عَفَا » جيدٌ من جهة القُرْبِ، وعلى بعض هذه الأقوالِ تكون المسألةُ من باب التنازعِ، ويكون على إعمال الأخيرِ منها، لعدم الإضمارِ في الأول، ويكون التنازعُ في أكثرِ من عاملينِ.
والجمهور على ﴿ تُصْعِدُونَ ﴾ - بضم التاء وكسر العين - من : أصْعَدَ في الأرض، إذا ذهب فيها. والهمزةُ فيه للدخول، نحو أصبح زيدٌ، أي : دخل في الصباح، فالمعنى : إذ تدخلون في الصعود، ويُبيِّن ذلك قراءة أبيٍّ « تصعدون في الوادي ».
وقرأ الحسنُ، والسُّلمي، وقتادةُ :« تَصْعَدُونَ » بفتح التاء والعين - من : صعد في الجبل، أي : رقي، والجمع بين القراءتين أنهم - أولاً - أصعدوا في الوادي، ثم لما هزمهم العدو - صعدوا في الجبل، وهذا على رَأى مَنْ يُفَرِّق بين صعد وأصْعد، وقرأ أبو حَيْوَةَ :« تَصَعَّدُون » بالتشديد - وأصله : تَتَصَعَّدُونَ، حذفت إحدى التاءين، إما تاء المضارعة، أو تاء « تَفَعَّل » والجمع بين قراءتِهِ وقراءة غيره كما تقدم.
والجمهورُ ﴿ تُصْعِدُونَ ﴾ بتاء الخطاب، وابن مُحَيْصن - ويُرْوَى عن ابن كثيرٍ - بياء الغيبة، على الالتفاتِ، وهو حسنٌ.
ويجوز أن يعودَ الضمير على المؤمنين، أي :﴿ والله ذُو فَضْلٍ عَلَى المؤمنين إِذْ تُصْعِدُونَ ﴾ فالعاملُ في « إذْ » « فَضْلٍ » ويقال : أصْعَدَ : أبعد في الذهاب، قال القُتَبِيُّ أصعد : إذا أبْعَد في الذهاب، وأمعن فيه، فكأن الإصعادَ إبعادٌ في الأرض كإبعاد الارتفاعِ.
قال الشاعرُ :[ الطويل ]

١٦٦٢- ألاَ أيُّهَذَا السَّائِلِي، أيْنَ أصْعَدَتْ؟ فَإنَّ لَهَا مِنْ بَطْنِ يَثْرِبَ مِوْعِدا
وقال آخرُ :[ الرجز ]
١٦٦٣- قَدْ كُنْتِ تَبْكِينَ عَلَى الإضعَادِ فَالْيَوْمَ سُرِّحْتِ، وَصَاحَ الْحَادِي
وقال الفرَّاءُ وأبو حاتم : الإصعاد : في ابتداء السفر والمخارج، والصعود : مصدر صَعَدَ : رقي من سُفْلٍ إلى عُلُو، ففرَّق هؤلاء بين صَعَد وأصْعَد.
وقال المفضَّلُك صعد وأصعد بمعنًى واحدٍ، والصعيد : وجْهُ الأرضِ.
قال بعضُ المفسّرين :« وكلتا القراءتين صوابٌ، فقد كان يومئذ من المهزمين مُصْعِد وصاعد ».
قوله :﴿ وَلاَ تَلْوُونَ ﴾ الجمهور على ﴿ تَلْوُونَ ﴾ - بواوين - وقُرِئَ بإبدال الأولى همزة؛ كراهية اجتماع واوين، وليس بقياسٍ؛ لكون الضمة عارضة، والواو المضمومة تُبْدَل همزة بشروط تقدمت في « البقرة ».
منها : ألا تكون الضمة عارضة، كهذه، وأن لا تكون مزيدة، نحو ترهوك.


الصفحة التالية
Icon