﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مِّنْهُ ﴾ [ الأنفال : ١١ ].
وأما الفريقُ الثاّنِي فهم المنافقونَ، فكانوا شاكِّين في نبوتِهِ ﷺ وما حضروا إلا لطلب الغنيمةِ، فهؤلاء اشتد جزعُهُمْ، وعظم خوفُهُمْ.
فإن قيلك لم قدم ذكر الأمَنَة على النُّعَاسِ في قصة أُحُدٍ، وأخرها في قصة بدرٍ؟
فالجوابُ : أنه لما وعدهم بالنصر، فالأمن وزوال الخوف إشارةٌ ودليلٌ على إنجاز الوَعْدِ.
قوله :﴿ يغشى ﴾ قراءة حمزة والكسائي بالتاء من فوق، والباقون بالباء؛ ردًّا إلى النُّعَاسِ، وخرَّجوا قراءة حمزة والكسائي على أنها صفة ل « امَنَةً » ؛ مراعاة لها، ولا بُدّ من تفصيل، وهو إن أعربوا « نُعَاساً » بدلاً، أو عَطْفَ بيانٍ، أشكل قولهم من وَجْهَيْن :
الأول : أن النُّحاة نَصُّوا على أنه إذا اجتمع الصفةُ والبدلُ أو عَطْفُ البيانِ، قدِّمت الصفة، وأخر غيرها، وهنا قد قدَّموا البدلَ، أو عطف البيانِ عليها.
الثاني : أن المعروفَ في لغة العرب أن يُحَدَّث عن البدل، لا عن المبدَل منه، تقول : هِنْد حُسْنُها فاتِنٌ، ولا يجوز فاتنة - إلا قليلاً - فَجَعْلُهم « نُعَاساً » بدلاً من « أمَنَةً » يضعف لهذا.
فإن قيل : قد جاء مراعاة المبدَل منه في قول الشاعر :[ الكامل ]

١٦٦٧- وَكَأنَّهُ لَهِقُ السَّرِاةِ كَأَنَّهُ مَا حَاجِبَيْنهِ مُعَيَّنٌ بِسَوَادِ
فقال :« مُعَيَّنٌ » ؛ مراعة للهاء في « كأنه » ولم يُرَاعِ البدل - حاجبيه - ومثله قول الآخر :[ الكامل ]
١٦٦٨- إنَّ السُّيُوفَ غُدُوَّها وَرَواحَهَا تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعضَبِ
فقال : تركت؛ مراعاة للسيوف، ولو راعَى البدل لقال : تركا.
فالجوابُ : أنَّ هذا - وإن كان قد قَالَ به بعضُ النحويينَ؛ مستنداً إلى هذين البيتين - مُؤوَّلٌ بأن « معين » خبر لِ « حاجبيه » لجريانهما مَجْرَى الشيء الواحدِ في كلام الْعَرَبِ، وأنَّ نصب « غُدُوَّهَا وَرَوَاحَهَا » على الظرف، لا على البدل. وقد تقدم شيء من هذا عند قوله :﴿ عَلَى الملكين بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ﴾ [ البقرة : ١٠٢ ].
وإن اعربوا « نُعَاساً » مفعولاً به و « أمَنَةً » حالٌ يلزم الفصل - أيضاً - وفي جوازه نظر، والأحسنُ - حينئذٍ - أن تكون هذه جملة استئنافية جواباً لسؤال مقدَّر، كأنه قيل : ما حكم هذه الأمَنَة؟ فأخبر بقوله :« تغشى ».
ومن قرأ بالياء أعاد الضمير على « نُعَاساً » وتكون الجملة صفة له، و « مِنْكُمْ » متعلق بمحذوف، صفة لِ « طَائِفَةً ».

فصل


قال أبو طلحة : غشينا النعاس ونحن في مصافِّنا يوم أُحُدٍ، فكان السيفُ يسقط من أحَدِنا فيأخذه، ثم يسقط فيأخذه، وقال ثابتٌ : عن أنسٍ عن أبي طلحةَ قال : رفعت رأسي يومَ أُحُدٍ، فجعلت ما أرى أحداً من القوم إلا وهو يميل تحت جحفته من النُّعاس.


الصفحة التالية
Icon