قيل : تَغَلْغَلَ الشيء إذا تخلل بخفية.
قال :[ الوافر ]
١٦٨٥- تَغَلْغَلَ حُبُّ مَيَّةَ فِي فُؤادِي... والغلالة : الثوب الذي يلبس تحت الثياب، والغلول الذي هو الأخذُ في خفية مأخوذةٌ من هذا المعنى.
ومنه : أغل الجازر -إذا سرق وترك في الإهاب شيئاً من اللحم. وفرَّقت العرب بين الأفعال والمصادر، فقالوا : غَلَّ يَغَلُّ غلولاً -بالضم في المصدر والمضارع- إذا خان. وغَلَّ يَغِلُّ غِلاًّ -بالكسر فيهما- الحقد قال تعالى :﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ] أي : حِقْد.
قال القرطبيُّ :« والغالّ : أرض مطمئنة، ذات شجرٍ، ومنابت الساج والطلح، يقال لها : غال. والغال :-أيضاً : نبت، والجمع : غُلاَّن- بالضم ».

فصل


اختلفوا في أسباب النزولِ : فرُوِيَ أنه ﷺ غنم في بعض الغزوات، وجمع الغنائم، وتأخرت القسمةُ؛ لبعض الموانع، وقالوا : ألا تقسم غنائمنا؟ فقال ﷺ :« لَوْ كَانَ لَكُمْ مِثْلُ أحُدِ ذَهَباً مَا حَبَسْتُ عَنْكُمْ دِرْهَماً، أَتَحْسَبُونَ أنِّي أغُلُّكُمْ مَغْنَمَكُم » فانزل الله تعالى هذه الآية.
وقيل : الآية نزلت في أداء الوحي، كان صلى الله يقرأ القرآن، وفيه عَيْبُ دينهم وسَبُّ آلهتهم، فسألوه أن يترك ذلك، فنزلت.
وروى عكرمة وسعيد بن جبير : أن الآية نزلت في قطيفة حمراء، فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس : لعل النبي ﷺ أخذها، فنزلت الآية.
ورُوِيَ -من طريق آخرَ- عن ابن عباسٍ : أن أشراف الناس طمعوا أن يخصهم النبي ﷺ من الغنائم بشيء زائد، فنزلت الآية.
ورُوِيَ أنه بعض طلائع، فغنموا غنائم، فقسمها ولم يُقسَّم للطلائع، فنزلت الآيةُ.
وقال الكلبيُّ ومقاتل : نزلت هذه الآيةُ في غنائم أحدٍ، حين ترك الرُّماة المركز؛ طلباً للغنيمة، وقالوا : نخشى أن يقول النبي ﷺ : مَنْ أخذ شيئاً فهو له، وأن لا يقسم الغنائم -كما لم يقسِّمْها يوم بدرٍ- فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم، فقال لهم النبي ﷺ :« ألم أقل لكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيهم أمري؟ » قالوا : تركنا بقية إخوانِنا وقوفاً، فقال ﷺ :« بل ظننتم أن نَغُلَّ، فلا نقسم، » فنزلت الآية.
وقيل : إن الأقرباء ألحُّوا عليه يسألونه من المَغْنَم، فأنزل الله تعالى :﴿ وَمَن يَغْلُلْ ﴾ فيُعْطي قوماً، ويمنع آخرين، بل عليه أن يقسم بينهم بالسَّوِيَّةِ.
هذه الأقوال موافقة للقراءة الأولى.
وأما ما يوافق القراءة الثانية فرُوِيَ أن النبي ﷺ لما وقعت غنائمُ هوازن في يده يوم حُنَيْن، غَلَّ رَجُلٌ بمخيط، فنزلت هذه الآيةُ.
وقال قتادة : ذكر لنا أنها نزلت في طائفة غلت من أصحابه.
قوله :﴿ وَمَن يَغْلُلْ ﴾ الظاهر أن هذه الجملة الشرطية مستأنفةٌ لا محل لها من الإعرابِ، وإنما هي للردع عن الإغلالِ، وزعم أبو البقاء أنها يجوز أن تكون حالاً، ويكون التقدير : في حال علم الغالِّ بعقوبة الغلول.


الصفحة التالية
Icon