فصل
قال القرطبيُّ : أجمع العلماءُ على أنه يجب على الغالِّ أن يرد ما غله إلى صاحب المقاسم قبل أن ينصرف الناسُ -إذا أمكنه- فذلك توبته. واختلفوا فيما يُفْعَل به إذا افترق أهلُ العسكر ولم يصل إليه، فقال جماعة من أهل العلمِ : يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي -وكذا كل مال لا يعرف صاحبه فإنه يُتَصدق به- وقال الشاافعيُّ : ليس له الصدقة بمال غيره.
فصل
اختلفوا هل يعاقب الغلّ بإحراق متاعه؟ قال مالك والشافعيُّ وأبو حنيفة وأصحابهم والليث : لا يحرق متاعه.
وقال الشافعيُّ : إن كان عالماً بالنهي عوقب.
وقال الأوزاعيُّ : يُحْرَق متاع الغال كلُّه إلا سلاحه وثيابَه التي عليه وسرجه، ولا يُنْزَع منه دابتُه، ولا يُحْرَقُ الشيءُ الذي غَلَّ، وهذا قول أحمد وإسحاق، وقال الحسن : إلا أن يكون حيواناً أو مصحفاً.
فصل
في العقوبة بالمال، قال مالك -في الذَّمِّيّ الذي يبيع الخمرَ من المُسْلِمِ- يراق الخمر على المُسْلِمِ، ويُنْزَع الثمن من الذميّ؛ عقوبةً له؛ لئلا يبيعَ الخمر بين المسلمين، وقد أراق عمر -Bه- لبناً شِيَبَ بِماء.
فصل
من الغلول هدايا العمال؛ لقوله ﷺ للذي أهْدِيَ إليْه، وكان بعضه على الصدقة، فأهْدِيَ إليه فقال : هذا لكم، وهذا أهْدِيَ إليَّ فقال عليه السلام :« مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ، فَيَجِيءُ، فَيَقُولُ : هَذَا لَكُمْ، هَذَا لَكُمْ، وهَذَا أهْدِيَ إليَّ، ألاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أُمِّهِ وَأبِيهِ، فَيَنْظُرَ أيُهْدَى إلِيْهِ أَمْ لاَ ».
فصل
ومن الغلول -أيضاً- حَبْس الكتبِ عن أصحابها، وما في معناها.
قال الزهريُّ : إياك وغلول الكتبِ، فقيل له : وما غلول الكتب؟ قال حبسها عن أصحابها. وقد قيل -في تأويل قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ﴾ أي : يكتم شيئاً من الوحي؛ رغبةً، أو رهبةً، أو مُدَاهَنَةً.
قوله :﴿ ثُمَّ توفى ﴾ هذه الجملة معطوفة على الجملة الشرطية، وفيها إعلامٌ أن الغالَّ وغيره من جميع الكاسبين لا بد وأن يُجَازوا، فيندرج الغالُّ تحت هذا العموم -أيضاً- فكأنه ذُكِرَ مرتَيْن.
قال الزمخشريُّ : فإن قلتَ : هلاَّ قِيلَ : ثم يُوَفَّى ما كسب؛ ليتصل به؟
قلت : جيء بعامٍّ دخل تحته كلُّ كاسب من الغالِّ وغيره، فاتصل به من حيث المعنى، وهو أثبتُ وأبلغ.
فصل
تمسك المعتزلة بهذا في إثبات كون العبد فاعلاً، وفي إثبات وعيد الفساق.
أما الأول : فلأنه -تعالى- قال- في القاتل المتعمد- :﴿ فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ﴾ [ النساء : ٩٣ ] وأثبت في هذه الآية أن كلَّ عاملٍ يصل إليه جزاؤه، فيحصل -من مجموع الآيتين- القطع بوعيد الفساق.
والجواب عن الأول : المعارضة بالعلم، وعن الثاني : أن هذا العموم مخصوص في صورة التوبةِ فكذلك يجب أن يكون مخصوصاً في صورة العفو، للدلائل الدالة على العفو. ثم قال تعالى :﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾.