﴿ هُمْ دَرَجَاتٌ ﴾ مبتدأ وخبر، ولا بد من تأويل [ بالإخبار ] بالدرجات عن « هم » لأنها ليست إياهم، فيجوز أن يكون جُعُلوا نَفْسَ الدرجات مبالغةً، والمعنى : أنهم متفاوتون في الجزاء على كَسْبهم، كما أن الدرجات متفاوتة والأصل على التشبيه، أي : هم مثل الدرجات في التفاوت.
ومنه قوله :[ الوافر ]
١٦٨٦- أنصْبٌ لِلْمَنِيَّةِ تَعْتَريهم | رِجَالِي أمْ هُمُ دَرَجُ السُّيُولِ |
قال شهابُ الدينِ :« وادِّعاء حذف اللام خَطَأٌ، والمخطئ معذورٌ؛ وقد نُقِلَ عن المفسرين هذا، ونقل عن ابن عبَّاسٍ والحسنِ لكل درجات من الجنة والنار، فإن كان هذا القائل أخذ من هذا الكلام بأن اللام محذوفة فهو مخطئ؛ لأن هؤلاء -Bهم- يفسَِّرون المعنى لا الإعراب اللفظي ».
وقرأ النخعي « هم درجة » بالإفراد على الجنس.
قوله :﴿ عِندَ الله ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن يتعلق ب « درجات » فيكون في محل رفع.
فصل
« هم » عائد إلى لفظ « من » في قوله :﴿ أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله ﴾ ولفظ « كم » معناه الجمع. ونظيره قوله تعالى :﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً ﴾ [ السجدة : ١٨ ]. ثم قال :« لا يستوون » بصيغة الجمع، وهو عائد إلى « من ».
واعلم أنه لما عاد إلى المتقدم ذكره، والذي تقدّم ذكره نوعان : من اتبع رضوان الله، ومن باء بسخطٍ من الله -يُحتمل أن يعودَ إلى الأول، ويحتمَل أن يعودَ إلى الثاني، ويحتمل أن يعودَ إليهما، فإن عاد إلى الأول صَحَّ- ويكون التقديرُ : إنّ أهلَّ الثَّواب درجات على حسب أعمالهم- لوجوه :
الأول : ان الغالب -في العُرْف- استعمال الدرجاتِ في أهل الثّوابِ والدركات في أهل العقاب.
الثاني : أن ما كان من الثّواب والرحمة فإن الله يُضيفه إلى نفسه وما كان من العقاب لا يضيفه إلى نفسه قال تعالى :﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة ﴾ [ الأنعام : ٥٤ ] فلما أضاف هذه الدرجات إلى نفسه -حيث قال :« عند الله » - علمنا أن المراد أهل الثواب ويؤكده هذا قوله تعالى :﴿ انظر كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٢١ ].
الثالث : أنه -تعالى- وصف مَنْ باء بِسَخَطٍ من الله -وهو أن مأواهم جهنم وبئس المصيرِ- فوجب أن يكون قوله :« هم درجات » وصفاً لمَن اتبع رضوان الله.