الهمزة للإنكار، وجعلها ابنُ عطية للتقرير، والواو عاطفة، والنية بها التقديم على الهمزة.
وقال الزمخشري : و « لما » نصب ب « قلتم » و « أصابتكم » في محل الجر، بإضافة « لما » إليه، وتقديره : أقلتم حين أصابتكم. و « أنى هذا » نصب؛ لأنه مقول، والهمزة للتقرير والتقريع.
فإن قلتَ : علامَ عطفت الواو هذه الجملة؟ قلتُ : على ما مضى من قصة أحُد -من قوله :﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ ﴾ - [ آل عمران : ١٥٢ ] ويجوز أن تكونَ معطوفة على محذوف، [ كأنه قيل ] : أفعلتم كذا، وقلتم حينئذ كذا؟ انتهى.
أمّا جعله « لما » بمعنى « حين » -أي ظرفاً- فهو مذهب الفارسيِّ وقد تقدم تقرير المذهبين وأما قوله :« عطف على قصة أحد » فهذا غير مذهبه، لأن الجاري من مذهبه إنما هو تقديرُ جملة، يعطف ما بعد الواو عليها -أو الفاء، أو « ثم » - كما قرره هو في الوجه الثاني.
و « أنى هذا » « أنى » بمعنى من أين -كما تقدم في قوله :﴿ أنى لَكِ هذا ﴾ [ آل عمران : ٣٧ ] - ويدل عليه قوله :﴿ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ وقوله :﴿ مِنْ عِنْدِ الله ﴾ قاله الزمخشري.
ورد عيله أبو حيّان بأن الظرف إذا وقع خبراً للمبتدأ لا يقدَّر داخلاً عليه حرف جر، غير « في ». أما أن يقدر داخلاً عليه « من » فلا؛ لأنه إنما انتصب على إسقاط « في » ولذلك إذا أضمِر الظرف تعدى إليه الفعل بواسطة « في » إلا أن يتسع في الفعل فينصبه نصب التشبيه بالمفعول به، فتقدير الزمخشريُّ غيرُ سائغٍ، واستدلاله بقوله تعالى :﴿ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ وقوله :﴿ مِنْ عِنْدِ الله ﴾ وقوف مع مطابقة الجواب للسؤال في اللفظ، وذهول عن هذه القاعدة التي ذكرناها.
واختار أبو حيان أن « أنى » بمعنى « كيف » قال : و « أنى » سؤالٌ عن الحال -هنا- ولا يناسب أن يكون -هنا- بمعنى « أين » أو « متى » لأن الاستفهام لم يقع عن المكان، ولا عن الزمان، إنما وقع عن الحال التي اقتضت لهم ذلك، سألوا عنها على سبيل التعجُّب -وجاء الجواب من حيث المعنى لا من حيثُ اللفظ- في قوله :﴿ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ -والسؤال ب « أنى » سؤال عن تعيين كيفية حصول هذا الأمرِ، والجواب كقوله :﴿ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ يتضمن تعيين الكيفية؛ لأنه بتعيين السبب تتعين الكيفيةُ من حيثُ المعنى لو قيل -على سبيل التعجُّبِ والإنكارِ- : كيف لا يحج زيد الصَّالحُ؟ وأجيب ذلك بأن يقال : لعدم استطاعته، لحصل الجوابُ، وانتظم من المعنى أنه لا يحج وهو غير مستطيعٍ.