وهذا فيه نظرٌ؛ لأنه يحتمل أنه أراد بقوله :« وقعدوا » القعود عن القتالِ، لا عن الخروج إلى القتال؛ فإن عبد الله بن أبَيّ خَرَجَ إلى الْقِتَالِ، ولم يُقَاتِل، بل هَرَبَ بمن معه، ويُطْلَق عليه أنه قَعَد عن القتال وهو القائلُ هذا الكلام.
وقوله :﴿ لإِخْوَانِهِمْ ﴾ أي : لأجل إخوانهم -وقد تقدم : هل المرادُ- من هذه الأخوة- الأخوة في النسب، أو الأخوة بسبب المشاركة في الدَّارِ، أو في عدداوة الرسول ﷺ أو في عبادة الأوثان؟
قوله :﴿ قُلْ فَادْرَءُوا ﴾ ادفعوا ﴿ عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ذكر ذلك على سبيل الجوابِ لقولهم :﴿ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ﴾.
فإن قيل : ما وجه هذا الاستدلالِ مع أن الفرقَ ظاهرٌ؛ فإن التحرُّز عن القتل ممكن، وأما التحرزُ عن الموتِ فغير ممكن ألبته؟
فالجوابُ : أن هذا الدليلَ لا يتمشى إلا إذا قلنا : إنّ الكُلَّ بقضاء الله وقَدَرِه، فحينئذٍ لا يبقى بين القتلِ وبين الموتِ فرق، فيصح الاستدلالُ، أما إذا قلنا : بأن فعل العبد ليس بتقدير الله وقضائه، كان الفرق بين القتل والموتِ ظاهراً.
وقوله :﴿ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي : في كونكم مشتغلين بالحذر عن المكاره، والوصول إلى المطالب.


الصفحة التالية
Icon