وأما على قراءة من سكن التاء أو كسرها فتكون ﴿ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا ﴾ أيضاً معطوفاً على ﴿ إِنِّي وَضَعْتُهَآ ﴾ ويكون قد فصل بين المتعاطفَيْن بجملتي اعتراض، كقوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ [ الواقعة : ٧٦ ] قاله الزمخشريُّ.
قال أبو حيّان :« ولا يتعين ما ذكر من أنهما جملتان معترضتان؛ لأنه يحتمل أن يكون :﴿ وَلَيْسَ الذكر كالأنثى ﴾ من كلامها في هذه القراءة » ويكون المعترض جملة واحدة - كما كان من كلامها في قراءة من قرأ « وَضَعْتُ » بضم التاء - بل ينبغي أن يكون هذا المتعيِّن؛ لثبوت كونه من كلامها في هذه القراءة، ولأن في اعتراضِ جملتين خلافاً لمذهب أبي علي الفارسي من أنه لا يعترض جملتان.
وأيضاً تشبيهه هاتين الجملتين اللتين اعترض بهما - على زعمه - بين المعطوف والمعطوفِ عليه، بقوله :﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ [ الواقعة : ٧٦ ] ليس تشبيهاً مطابقاً للآية؛ لأنه لم يعترض جملتان بين طالب ومطلوب، بل اعترض بين القسم - الذي هو ﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم ﴾ [ الواقعة : ٧٥ ] - وبين جوابه - الذي هو ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ [ الواقعة : ٧٧ ] - بجملة واحدة - وهي قوله :﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ - لكنه جاء في جملة الاعتراض - بين بعض أجزائها، وبعض اعتراض بجملة - وهي قوله :﴿ لَّوْ تَعْلَمُونَ ﴾ اعتراضٌ بها بين المنعوتِ الذي هو « لَقَسَمٌ » - وبين نعته - الذي هو « عَظِيمٌ » - فهذا اعتراضٌ، فليس فصلاً بجملتي اعتراض كقوله :﴿ والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذكر كالأنثى ﴾.
قال شهابُ الدين : والمشاحَّة بمثل هذه الأشياء ليست طائلة، وقوله :« ليس فصلاً بجملتي اعتراض » ممنوع، بل هو فَصْلٌ بجملتي اعتراض، وكونه جاء اعتراضاً في اعتراض لا يضر ولا يقدَح في قوله : فصل بجملتين « ف » سمى « يتعدى لاثنين، أحدهما بنفسه، وإلى الآخر بحرف الجر، ويجوز حذفه، تقول : سميت زيداً، و الأصل : بزيدٍ، وجمع الشاعرُ بين الأصل والفرع في قوله :[ المتقارب ]
أي يسمى بالجُعَل - وقد تقدم الكلامَ في مريمَ واشتقاقها ومعناها.١٤١٨- وَسُنِّيْتَ كَعباً بِشَرِّ الْعِظَامِ وَكَانَ أبُوكَ يُسَمَّى الْجَعَل
فصل
ظاهر هذا الكلام يدل على أن عمران كان قد مات قبل وَضْعِ حَنَّة مَرْيمَ، فلذلك تولَّت الأم تسميتها؛ لأن العادة أن التسمية يتولاّها الآباء، وأرادت بهذه التسمية أن تطلب من الله أن يعصمها من آفاتِ الدين والدنيا؛ لأن مريم - في لغتهم - العابدة، ويؤكد ذلك قوله : بعد ذلك :﴿ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم ﴾. وقولها :﴿ سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ﴾ جَعَلت هذا اللفظَ اسماً لها وهذا يدل على أن الاسم والمسمى والتسمية أمور ثلاثة متغايرة، وعلى أن تسمية الولد يكون يوم الوضع.
قوله :﴿ وِإِنِّي أُعِيذُهَا ﴾ عطف على ﴿ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا ﴾ وأتى - هنا - بخبر » إنَّ « فعلاً مضارعاً؛ دلالة على طلبها استمرار الاستعاذة دون انقطاعها، بخلاف قوله :﴿ وَضَعْتُها ﴾ و ﴿ سَمَّيْتُهَا ﴾ حيث أتى بالخبرين ماضيَيْن؛ لانقطاعهما، وقدم المُعَاذَ به على المعطوف؛ اهتماماً به.