وأيضاً فإن إرادته ألا يجعل لهم حَظَّاً في الآخرة لا تليق إلا بمن قد آمن واستوجب ذلك، ثم أحبط.
وأيضاً فإن الحُزْن إنما يكون على فوات أمرٍ مقصودٍ، فلما قدَّر النبيُّ ﷺ الانتفاع بإيمانهم -ثم كفروا- حَزنَ ﷺ عند ذلك؛ لفوات التكثير بهم، فآمنه الله من ذلك، وعرَّفه أن وجودَ إيمانهم كعدمه في أن أحوالَه لا تتغير.
وقيل : المراد رؤساء اليهود -كعب بن الأشرف وأصحابه- كتموا صفة محمد ﷺ لمتاع الدنيا. قال القَفَّال ولا يبعد حمل الآية على جميع أصناف الكفار؛ لقوله تعالى :﴿ ياأيها الرسول لاَ يَحْزُنكَ الذين يُسَارِعُونَ فِي الكفر مِنَ الذين قالوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الذين هِادُواْ ﴾ [ المائدة : ٤١ ]. فإن قيل : الحُزْن على كُفر الكافر، ومعصية العاصي طاعة، فكيف نهاه الله عن الطاعة؟
فالجوابُ من وجهين :
الأول : أنه كان يفرط في احُزْن على كُفْر قومه، حتَّى كاد يؤدي ذلك إلى لحوق الضرر به، فنهاه الله تعالى عن الإسراف فيه، كما قال :﴿ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ [ فاطر : ٨ ].
الثاني : أن المعنى لا يُحْزنوكَ بخوف أن يضروك، ويعينوا عليك؛ ألا ترى إلى قوله :﴿ لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً ﴾ يعني : أنهم لا يضرون - بمسارعتهم في الكفر- غير أنفسهم، ولا يعود وبال ذلك على غيرهم ألبتة.
ثم قال :﴿ يُرِيدُ الله أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخرة ﴾ وهذا تنصيصٌ وردٌّ على المعتزلة بأنَّ الخيرَ والشر بإرادة الله تعالى، وتدل الآية -أيضاً- على أنَّ النكرةَ في سياق النَّفي تعم؛ إذ لو لم يحصل العموم لم يحصل في تهديد الكفار بهذه الآية، ثم قال :﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ وهذا كلام مبتدأ والمعنى : أنه كما لا حَظَّ لهم ألبتة من منافع الآخرة، فلهم الحَظُّ العظيمُ من [ مضارِّها ].