قال الفرّاءُ : ومثله :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ ﴾ [ الزخرف : ٦٦ ] أي « ما ينظرون إلا أن تأتيهم. انتهى.
ورد بعضهم قولَ الكسائيِّ والفرَاءِ، بأن حَذْفَ المفعولِ الثاني -في هذه الأفعالِ- لا يجوز عند أحد. وهذا الردُّ ليس بشيءٍ؛ لأن الممنوعَ إنما هو حذف الاقتصارِ -وقد تقدم تحقيق ذلك.
وقال ابنُ الباذش : ويكون المفعول الثاني قد حُذِف؛ لدلالة الكلامِ عليه، ويكون التقدير : ولا تحسبن الذين كفروا خَيْريَّةَ إملاءنا لهم ثابتة، أو واقعة.
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : كيف صح مَجِيءُ البدلِ، ولم يذكر إلا أحد المفعولين، ولا يجوز الاقتصارُ بفعل الحسبانِ على مفعولٍ واحدٍ؟
قلتُ : صحَّ ذلك من حيثُ إنّ التعويلَ على البدل والمبدل منه في حكم المُنَحَّى، ألا تراك تقول : جَعَلْتُ متاعَك بعضَه فوقَ بَعْضٍ، مع امتناع سكوتك على : متاعك.
وهذا البدلُ بدلُ اشتكالٍ -وهو الظاهرُ- أو يدل كُلٍّ من كُلٍّ، ويكون على حَذْف مضافٍ، تقديره : ولا تحسبن إملاء الذين، فحذف » إملاء « وأبدل منه :» أنما نملي « قولان مشهوران.
الثالثُ : وهو أغربها- : أن يكون » الذين كفروا « فاعلاً ب » تحسبن « على تأويل أن تكون التاء في الفعل للتأنيث، كقوله :﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين ﴾ [ الشعراء : ١٠٥ ] أي : ولا تحسبن القوم الذين كفروا، و » الذين « وضصْف للقوم، كقوله تعالى :﴿ وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ]. فعلى هذا تتحدد هذه القراءة مع قراءة الغيبة، وتخريجها كتخريجها، ذك ذلك أبو القاسم الكرماني في تفسيره المُسمَّى ب » اللُّباب «. وفيه نظر؛ من حيث إن » الذين « جارٍ مَجْرَى جمع المذكر السالم، والجمع المذكر السالم لا يجوز تأنيث فعله -عند البصريين- لا يجوزُ : قامت الزيدون، ولا : تقوم الزيدون. وأما اعتذاره عن ذلك بأن » الذين « صفة للقوم -الجائز تأنيث فِعلهم- وإنما حذف، فلا ينفعه؛ لأن الاعتبارَ إنما هو بالملفوظ لا بالمقدَّر، لا يجيز أحدٌ من البصريين : قامت المسلمون- على إرادة : القوم المسلمون- ألبتة.
وقال أبو الحسن الحوفيُّ :» أن « وما عملت فيه من موضع نصب على البدل، و » الذين « المفعول الأول، والثاني محذوف.
وهو معنى قول الزمخشريَّ المتقدم.
الرابع : أن يكون :» أنما نملي لهم « بدلاً من :» الذين كفروا « بدل اشتمال -أي : إملاءنا- و » خير « بالرفع- خبر مبتدأ محذوف، أي : هو خير لأنفسهم، والجملة هي المفعول الثاني، نقل ذلك أبو شامة عن بعضهم، ثم وقال : قُلْتُ : ومثل هذه القراءة بيت الحماسةِ.
كذا جاءت الرواية بفتح » أنا « بعد ذكر المفعول الأول، فعلى هذا يجوز أن تقول : حسبت زيداً أنه قائم، أي : حسبته ذا قيام.
١٦٩٦- فِينَا الأنَاةُ، وَلبَعْضُ الْقَوْمِ يَحْسَبُنَا أَنَّا بِطَاءٌ، وَفِي إبْطَائِنَا سَرَعُ