قال : وسألت أحمد بن مُوسَى عنها، فزعم أن أحداً لم يقرأ بها يعني ب « أحمد » هذا أبا بكر بن مجاهد الإمام المشهور، وقال -في الحجة- :« الَّذِينَ كَفَرُوا » في موضع نصب؛ بأنها المفعول الأول، والمفعول الثاني هو الأول -في هذا الباب- في المعنى، فلا يجوزُ -إذَنْ- فتح « إن » في قوله :﴿ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ﴾ لأن إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قُلْتَ : لِمَ لا يجوز الفتح في « أن » وجعلها بدلاً من « الَّذِينَ كَفَرُوا » كقوله تعالى :﴿ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ [ الكهف : ٦٣ ] وكما كان « أن » من قوله تعالى :﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين أَنَّهَا لَكُمْ ﴾ [ الأنفال : ٧ ] ؟
قيل : لا يجوز ذلك؛ لأنك إذا أبدلت « أن » من « الذين كفروا » كما أبدلت « أنَّ » من « إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ » لزمك أن تنصب « خَيْراً » على تقدير : لاَ تَحْسَبَنَّ إملاء الذين كفروا خيراً لأنفسهم، من حيثُ كان المفعولُ ل « تَحْسَبَنَّ ».
انتهى ما رد به عليه، فلم يَبْقَ إلا الترجيح بين نَقْل الزجَّاج وابنِ مجاهد.
قال شهاب الدين : طولا شك أن ابنَ مجاهدٍ أَعْنَى بالقراءات، إلا أن الزَّجَّاجَ ثقةٌ، ويقول : قرأ به خلقٌ كثيرٌ وهذا يبعد غلطه فيه، والإثبات مقدم على النفي، وما ذكره أبو علي -من قوله : وإذا لم يجز لا كسر « إن ».... الخ -هذا- أيضاً مما لم يقرأ به أحد «.
قال مَكِّي :»
وجه القراءة لمن قرأ بالتاء -يعني بتاء الخطاب- أن يكسر « إنَّما » فتكون الجملة في موضع المفعول الثاني، ولم يقرأ به أحدٌ علمته «. وقد نقل أبو البقاء أن نصب » خَيْراً « قراءة شاذة قال : وقد قرئَ شَاذَّاً بالنصب، على أن يكون » لأَنْفُسِهِمْ « خبر » أن « و » لَهُمْ « تبيين، أو حال من » خَيْر «.
يعني : أنه لما جعل »
لأَنْفُسِهِم « الخبر، جعل » لَهُمط إما تبييناً، تقديره : أعني لهم وإما حالاً من النكرة المتأخرة، لأنه كان في الأصل صفة لها. والظاهر -على هذه القراءة- ما تقدم من كون « لَهُمْ » هو الخبر، ويكون « لأَنْفُسِهِمْ » في محل نصب؛ صفة ل « خَيْرٌ » -كما كان صفة له في قراءة الجمهور.
ونقل -أيضاً- قراءة كسر « أن » وهي قراءة يحيى، وخرجها على أنها جواب قسم محذوف، والقسم وجوابه يسد مَسَدَّ المفعولينِ، ولا حاجة إلى ذلك، بل تخريجها على ما تقدم أَوْلَى؛ لأن الأصل عدم الحذفِ.


الصفحة التالية
Icon