قال أبو حيَّان : بعد ما ذكر من إنكاره عليه نَقْل فَتْح الثانية عن يحيى كما تقدم- :« ولما قَرَّرَ في هذه القراءة أن المعنى على نَهْي الكافر أن يحسب أنما يُملي اللهُ لزيادة الإثم، وأنه إنما يملي [ لزيادة ] الخير، كان قوله :﴿ وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ يدفع هذا التفسير، فخرج ذلك على أن الواو للحالِ، حتى يزول هذا التدافعُ الذي بين هذه القراءة، وبين ظاهر آخر الآية.

فصل


أصل »
ليزدادوا « : ليزتادوا -بالتاء- لأنه افتعال من الزيادة، ولكن تاء الافتعال تقلب دالاً بعد ثلاثة أحرف الزاي، والذال، والدال - نحو ادكروا والفعل هنا- متعدٍّ لواحدٍ، وكان -في الأصل- متعدياً لاثنين، - كقوله تعالى :﴿ فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً ﴾ [ البقرة : ١٠ ] ولكنه بالافتعالِ ينقص أبداً مفعولاً، فإن كان الفعلُ -قبل بنائه على » افتعل « للمطاوعة -مُتَعدياً لواحدٍ، صار قاصراً بعد المطاوعةِ، نحو مددتُ الحبلَ فامتدَّ، وإن كان متعدياً لاثنين صار -بعد الافتعال- متعدياً لواحدٍ، كهذه الآية.
وخُتِمَتْ كل وحدة من هذه الآيات الثلاث بصفة للعذاب غير ما خُتِمَتْ به الأخْرَى؛ لمعنًى مناسب، وهو أن الأولى تضمنت الإخبار عنهم بالمسارعة في الكُفْرِ، والمسارعةُ في الشيء والمبادرة في تحصيله تقتضي جلالته وعظمته، فجُعِل جزاؤه ﴿ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ مقابلاً لهم، ويدل ذلك على خساسة ما سارعوا فيه. وأما الثانية فتضمنت اشتراءهم الكُفْر بالإيمان، والعادة سرورُ المشتري واغتباطه بما اشتراه، فإذا خسر تألَّم، فخُتِمَت هذه الآية بألم العذابِ، كما يجد المشتري المغبون ألَمَ خسارته.
وأما الثالثة فتضمنت الإملاء -وهو الإمتاع بالمال وزينة الدنيا- وذلك يقتضي التعزُّزَ والتكبُّرَ والجبروتَ فختمت هذه الآيةُ بما يقتضي إهانتهم وذِلَّتهم بعد عِزِّهم وتكبُّرهم.

فصل


قال ابنُ الخطيبِ : احتج أصحابُنا -بهذه الآية- في إثبات القضاء والقدر؛ لأن الإملاء عبارة عن تأخيره مدة -والتأخيرُ من فعلِ اللهِ تعالى- والآية دلَّت على أنَّ هذا الإملاء ليس بخير لهم، فهو سبحانَهُ خالقُ الخيرِ والشرِ.
ودلَّت على أن المقصودَ من هذا الإملاء هو أن يزدادوا إثماً، فدل على أن المعاصيَ والكُفْر بإرادته وأكَّد بقوله :﴿ وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾.
وأيضاً أخبر عنهم بأنهم لا خير لهم في هذا الإملاء؛ لأنهم لا يحصلون إلا زيادة البغي والطغيان، والإتيان بخلاف خبر لله -مع بقاء ذلك الخبر- جمع بين النقيضين، وهو محالٌ. وإذا لم يكونوا قادرين -مع ذلك الإملاء- على الخير والطاعة- مع أنهم مكلَّفُون بذلك- لزم في نفسه بُطْلان مذهب المعتزلة.
وأجب المعتزلة عن الأول بأنّ المرادَ : ليس خيراً لهم بأن يموتوا كما مات الشهداءُ يومَ أُحُدٍ؛ لأن هذه الآيات في شأن أُحُدٍ، ولا يلزمُ من كَوْنه ليس خيراً من القتل يوم أحد إلا أن يكونَ في نفسه خيراً.


الصفحة التالية
Icon