فصل
في الآية تأويلان :
أحدهما : أن المرادَ منه أمر الرسول ﷺ بالمصابرة على الابتلاء في النفسِ والمالِ، وتحمُّلِ الأذَى، وتَرك المعارضة والمقابلة، وذلك لأنه أقرب إلى دخول المُخالف في الدين، كقوله تعالى :﴿ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى ﴾ [ طه : ٤٤ ] وقوله :﴿ قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ﴾ [ الجاثية : ١٤ ] وقوله :﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ﴾ [ الفرقان : ٧٢ ] وقوله :﴿ فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل ﴾ [ الأحقاف : ٣٥ ] وقوله :﴿ ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [ فصلت : ٣٤ ].
قال الواحديُّ : كان هذا قَبلَ نزولِ آية السيف.
قال القفّال : والذي عندي أنّ هذا ليس بمنسوخ، والظاهر أنها نزلت عقب قصة أحُدٍ، والمعنى : أنهم امِرُوا بالصَّبر على ما يؤذون به الرسولَ ﷺ على طريقِ الأقوالِ الجارية فيما بينهم، واستعمال مداراتهم في كثير من الأحوالِ، والأمر بالقتالِ لا ينافي الأمر بالمُصابرة.
التأويل الثاني : أن يكونَ المرادُ من الصَّبرِ والتقوى : الصبر على مجاهدة الكفار ومنابذتهم والإنكار عليهم. فالصبرُ عبارة عن احتمال الأذى والمكروه، والتقوى عبارة عن الاحتراز عما لا ينبغي. وقوله :﴿ فَإِنَّ ذلك مِنْ عَزْمِ الأمور ﴾ أي : من صواب التدبير والرشدِ الذي ينبغي لكل عاقلٍ أن يُقْدِمَ عليه.
وقيل :﴿ مِنْ عَزْمِ الأمور ﴾ أي : من حق الأمورِ وخَيرها.
وقال عطاءٌ : من حقيقة الإيمان.