وقيل : هو المحراب من المسجد المعهود، وهو الأليق بالآية.
وقد ذكرناه عمن تقدم فإنما يَعْنُونَ به : المحراب من حيث هو، وأما في هذه الآية فلا يظهر بينهم خلاف في أنه المحراب المتعارف عليه. واستدل الأصمعيّ على أن المحراب هو الغرفة بقوله تعالى :﴿ إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب ﴾ [ ص : ٢١ ] فوجه الإمالة تقدم الكسرة، ووجه التَّفْخِيم أنه الأصل.
قوله :﴿ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ﴾ « وجد » هذه بمعنى أصاب ولَقِيَ وصَادَفَ، فيتعدى لِواحِدٍ وهو « رِزْقاً » و « عندها » الظاهر أنه ظرف للوجدان.
وأجاز أبو البقاء أن يكون حالاً من « رِزْقاً » ؛ لأنه يصلح أن يكون صفة له في الأصل، وعلى هذا فيتعلق بمحذوف، ف « وجد » هو الناصب لِ « كُلَّمَا » لأنها ظرفية، وأبو البقاء سمَّاه جوابها؛ لأنها عنده الشرط كما سيأتي.
قوله :﴿ قَالَ يامريم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه مستأنف، قال ابو البقاء :« ولا يجوز أن يكون بدلاً من » وَجَدَ « ؛ لأنه ليس بمعناه ».
الثاني : أنه معطوف بالفاء، فحذف العاطف، قال أبو البقاء :« كما حذفت في جواب الشرط في قوله تعالى :﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [ الأنعام : ١٢١ ]، وكذلك قول الشاعر :[ البسيط ]١٤٢٣- مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا | .............................. |
وهذا الموضع يشبه جوابَ الشرط، لأن » كُلَّمَا « تشبه الشرط في اقتضائها الجواب.
قال شهاب الدين : وهذا - الذي قاله - فيه نظر من حيث إنه تخيَّل أن قوله تعالى :﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ ﴾ أن جوابَ الشرط هو نفس ﴿ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ حُذِفَتْ منه الفاء، وليس كذلك، بل جواب الشرط محذوف، و - ﴿ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ جواب قسم مقدر قبل الشرط وقد تقدم تحقيق هذه المسألة، وليس هذا مما حُذِفَتْ منه فاء الجزاء ألبتة، وكيف يَدَّعِي ذلك، ويُشَبِّهه بالبيت المذكور، وهو لا يجوز إلا في ضرورة؟
ثم الذي يظهر أن الجملةَ من قوله :» وَجَدَ « في محل نصب على الحال من فاعل » دَخَلَ « ويكون جواب » كُلَّمَا « هو نفس » قَالَ « والتقدير : كلما دخل عليها زكريا المحراب واجداً عندَها الرزق.
قال : وهذا بَيِّن.
ونكر » رِزْقاً « تعظيماً، أو ليدل به على نوع » ما «.
قوله :﴿ أنى لَكِ هذا ﴾ » أنى « خبر مقدم، و » هَذَا « مبتدأ مؤخر ومعنى أنى هذا : من أين؟ كذا فسَّره أبو عبيدة.
قيل : ويجوز أن يكون سؤالاً عن الكيفية، أي : كيف تَهَيأ لكِ هذا؟
قال الكميت :[ المنسرح ]١٤٢٥- أنَّى وَمِنْ أيْنَ هَزَّكَ الطَّرَبُ | مِنْ حَيْثُ لاَ صَبْوةٌ وَلاَ رِيَبُ |
وجوَّز أبو البقاء في » أنَّى « أن ينتصب على الظرف بالاستقرار الذي في » ذلك «. و » لك « رافع ل » هذا « يعني بالفاعلية.