﴿ واجعله رَبِّ رَضِيّاً ﴾ [ مريم : ٦ ]، وقال :﴿ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ﴾ وقال تعالى :﴿ هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ [ الفرقان : ٧٤ ].
قوله :﴿ فَنَادَتْهُ الملاائكة ﴾ قرأ الأخوان « فَنَادَاهُ المَلاَئِكَةُ » - من غير تأنيث - والباقون « فَنَادَتْهُ » بتاء التأنيث - باعتبار الجمع المُكَسَّر، فيجوز في الفعل المسند إليه التذكير باعتبار الجمع، والتأنيث باعتبار الجماعة، ولتأنيث لفظ « الملائكة » مع أن المذكور إذا تقدَّم فعلُهم - وهم جماعة - كان التأنيث فيه أحسن؛ كقوله تعالى :﴿ قَالَتِ الأعراب ﴾ [ الحجرات : ١٤ ]. ومثل هذا ﴿ إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملاائكة ﴾ [ الأنفال : ٥٠ ] تُقْرأ بالتاء والياء، وكذا قوله :﴿ تَعْرُجُ الملائكة ﴾ [ المعارج : ٤ ].
قال الزجاج : يلحقها التأنيث للفظ الجماعة، ويجوز أن يُعَبَّر عنها بلفظ التذكير؛ لأنه - تعالى جمع الملائكة، وهكذا قوله :﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ ﴾ [ يوسف : ٣٠ ].
وإنما حَسُنَ الحذفُ - هنا - للفصل بين الفعل وفاعله.
وقد تجرأ بعضُهم على قراءة العامة، فقال :« أكره التأنيثَ؛ لما فيه من موافقة دَعْوَى الجاهلية؛ لأن الجاهلية زعمت أن الملائكة إناث ».
روى إبراهيم قال : كان عبد الله بن مسعود يُذَكِّر الملائكةَ في كُلِّ القرآنِ.
قال أبو عُبَيْد :« نراه اختار ذلك؛ خلافاً على المشركين؛ لأنهم قالوا : الملائكة بناتُ اللهِ ».
وروى الشعبيُّ أن ابن مسعود قال :« إذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياءً ».
وتجرأ أبو البقاء على قراءة الأخوين، فقال : وكره قوم قراءة التأنيث لموافقة الجاهلية، ولذلك قرأ « فناداه » بغير تاء - والقراءة غير جيِّدة؛ لأن الملائكة جمع، وما اعتلوا ليس بشيءٍ؛ لأن الإجماع على إثبات التاء في قوله :﴿ وَإِذْ قَالَتِ الملائكة يامريم ﴾ [ آل عمران : ٤٢ ].
وهذان القولان - الصادران من أبي البقاء وغيره - ليسا بجيِّدَيْن؛ لأنهما قراءتان متواترتان، فلا ينبغي أن ترد إحداهما ألبتة.
والأخوان على أصلهما من غمالة « فَنَادَاهُ ». والرسم يحتمل القراءتين معاً - أعني : التذكير والتأنيث والجمهور على أن الملائكة المراد بهم واحد - وهو جبريل.
قال الزَّجَّاج : أتاه النداء من هذا الجنس الذين هم الملائكة، كقولك : فلان يركب السُّفُنَ - أي : هذا الجنس كقوله تعالى :﴿ يُنَزِّلُ الملاائكة ﴾ [ النحل : ٢ ] يعني جبريل « بِالرُّوحِ » يعني الوحي. ومثله قوله :﴿ الذين قَالَ لَهُمُ الناس ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ] وهو نعيم بن مسعود، وقوله :﴿ إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ] يعني أبا سفيان. ولما كان جبريل - عليه السلام - رئيسَ الملائكة أخبر عنه إخبار الجماعة؛ تعظيماً له.
قيل : الرئيس لا بدَّ له من أتباع، فلذلك أخبر عنه وعنهم، وإن كان النداء قد صدر منه - قاله الفضل بن سلمة - ويؤيد كون المنادي جبريل وحده قراءةُ عبد الله - وكذا في مصحفه - فناداه جبريل.