والله أعلم.
قوله :﴿ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ﴾ يجوز أن تكون الناقصة، وفي خبرها - حينئذ - وجهان :
أحدهما :« ﴿ أنى » لأنها بمعنى « كيف » أو بمعنى « مِنْ أيْنَ » ؟، و « لِي » - على هذا - تبيين.
والثاني : أن الخبر هو الجار والمجرور، و « كيف » منصوب على الظرف. ويجوز أن تكون التامة، فيكون الظرف والجار - كلاهما - متعلقين ب « يَكُونُ »، أي : كيف يحدث لي غلام؟
ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من « غُلاَمٌ » ؛ لأنه لو تأخر لكان صفةً له.
قوله :{ وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر ﴾ جملة حالية.
قال أهل المعاني :« كل شيء صادفتَه وبلغتَه فقد صادفكَ وبلغكَ ».
فلهذا جاز أن نقول : بلغتُ الكِبَرَ، وجاز أن تقول : بلغَنِي الكِبَرُ، يدل عليه قولُ العربِ : تلقيت الحائط وتلقاني الحائط.
وقيل : لأن الحوادث تطلب الإنسان. وقيل : هو من المقلوب، كقوله :[ البسيط ]

١٤٤٠- مِثْلُ الْقَنَافِذِ هَدَّاجُونَ قَدْ بَلَغَتْ نَجْرَانَ أوْ بَلَغَتْ سَوْآتِهِمْ هَجرُ
فإن قيل : أيجوز بلغني البلد في موضع بلغت البلد؟
فالجواب : أنه لا يجوز، والفرق بينهما أن الكِبَر كالشيء الطالب للإنسان، فهو يأتيه بحدوثه فيه والإنسان أيضاً يأتيه - أيضاً - بمرور السنين عليه، أما البلد فليس كالطالب للإنسان الذاهب، فظهر الفرقُ.

فصل


قدم في هذه السورة حال نفسه، وأخَّر حالَ امرأته، وفي سورة مريم عكس.
فقيل : لأن ضَرْبَ الآيات - في مريم - مطابق لهذا التركيب؛ لأنه قدَّم وَهْنَ عَظْمِه، واشتعالَ شيْبه، وخوفه مواليه ممن ورائه، وقال :« وَكَانَتِ امْرَأتِي عَاقِراً » فلما أعاد ذِكْرَهما في استفهامه أخر ذِكْر الكِبَر، ليوافق رؤوس الآي - وهي باب مقصود في الفصاحة - والعطف بالواو لا يقتضي ترتيباً زمانيًّا فلذلك لم يبال بتقديم ولا تأخير.

فصل


الغلام : الفَتِيُّ السِّنِّ من الناس - وهو الذي بَقَلَ شَارِبُه - وإطلاقه على الطفل وعلى الكهل مجاز؛ أما الطفل فللتفاؤل بما يئول إليه، وأما الكهل، فباعتبار ما كان عليه.
قالت ليلى الأخيليّة :[ الطويل ]
١٤٤١- شَفَاهَا مِنَ الدَّاءِ الْعُضَالِ الَّذِي بِهَا غُلاَمٌ إذَا هَزَّ القَنَاةَ سَقَاهَا
وقال بعضهم : ما دام الولد في بطن أمِّه سُمِّي جَنِيناً، قال تعالى :﴿ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ [ النجم : ٣٢ ] سمي بذلك لاجتنانه في الرحم، فإذا وُلِدَ سُمِّي صَبِيًّا، فإذا فُطِمَ سمي غُلاماً إلى سبع سنين، ثم يُسَمَّى يافعاً إلى أن يبلغ عشر سنين، ثم يُطْلَق عليه حَزَوَّر إلى خمس عشرة سنة، ثم يصير قمراً إلى خمس وعشرين سنةً، ثم عنطْنَطاً إلى ثلاثين.
قال الشاعر :[ الطويل ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
١٤٤٢- وَبِالْمَخْضِ حَتَّى صَارَ جَعْداً عَنَطْنَطاً إذَا قَامَ سَاوَى غَارِبَ الْفَحْلِ غَارِبُهْ